الثورة – لميس علي:
تبدو هذه الكبسولات على هيئة دفعات أو مراحل من التعامل مع أشكال مختلفة ومتنوعة من (الذكاء الاصطناعي).. لكن هل تكون لتلك الكبسولات صفة علاجية أو دوائية.. كما يتبادر لذهن قارئ كلمة (كبسولة).. هل هي فعلاً كذلك.. أم تتنكّر بزي (المساعد) المخلص وصولاً لحالة عدم القدرة على الاستغناء عنها..؟ على هذا النحو، يتحوّل التعامل معها إلى (إدمان لا واعٍ).. القصد منه تخزين الوعي.. تعليبه لنصل إلى الاستلاب الكلي.
في كتابه (الأنا والنحن لإنسان ما بعد الحداثة) أشار “راينر فونك” إلى قدرة النظام الاقتصادي المتمثل بالرأسمالية المتحكمة (بالفضاء الرقمي) بتحويل الحياة إلى سلعة.. وكلّما سيطرت العوالم الرقمية على مختلف جوانب الحياة، دفعت بإنسان ما بعد الحداثة ليتحول إلى سلعة أيضاً.
ما لاحظته “شوشانا زوبوف” لا يختلف عمّا استنتجه “فونك”، فوصّفت تلك الرأسمالية برأسمالية المراقبة، التي تراقب سلوكياتنا وتمتلك بياناتنا لتصل إلى مرحلة التنبؤ بأفعالنا (الرقمية/ الافتراضية).. ومن ثم توجيهها.. أي أنها لا تقوم فقط بتخزين الوعي بل باستلابه.
بالنسبة للبعض الآخر، فلم يلجؤوا إلى مسمى الرأسمالية لتوصيف الحاصل على منصات التواصل، كما “يانيس فاروفاكيس” وزير المالية السابق في اليونان، معتقداً أننا مررنا بتحوّل يشبه الإقطاع بنسخة تكنولوجية.. برأيه الأراضي التي يمتلكها إقطاعيو اليوم هي (أراضٍ رقمية) تُعرف باسم (منصّات).
بالنسبة لصاحب كتاب (الإقطاع التكنولوجي الذي قتل الرأسمالية) كيف يتم التلاعب بالوعي..؟ يرى “فاروفاكيس” أن شركات مثل أمازون وفيسبوك أو غوغل ليست شركات منتجة، بل هي (وسيلة منتجة لتعديل السلوك).. ويتساءل “فاروفاكيس”:
في تلك الأراضي الرقمية من يقوم بالعمل الأكبر..؟، يجيب: نحن..! لأننا نقوم دون أن نعي الأمر بزيادة مخزون رأس مال الشركات الكبيرة عبر (تحميل الأشياء على فيسبوك أو التنقل أثناء الارتباط بخرائط غوغل).. ولينتهي إلى وصفنا (بأقنان السحابة) أي العبيد الذين لا يدركون أن مجرد التفاعل أو النشر على أي من تلك المواقع يعني بناء قيمة في هذه الشركات.. هكذا يتم تخزين وعينا لصالحها أو تنويمه وتخديره.
بدوره الكاتب الأمريكي “ماكس فيشر” وصف ما يحدث على منصات التواصل الاجتماعي بالانكشاف الذاتي الطوعي.. فعلياً، هل هو طوعي أم تمّت برمجته ليبدو طوعياً..؟ يدرك “فيشر” أن الحاصل يشبه (حالة خدر) تحدث عند الاعتياد على تطبيق رقمي محدد دون غيره على سبيل المثال.
ويستخلص: (قدرتنا على التأثر أو حتى على الاهتمام والفضول تُستنزف).. وربما قدرتنا على التأثير أيضاً.
في كتابه (آلة الفوضى: القصة الداخلية لكيفية قيام وسائل التواصل الاجتماعي بإعادة توصيل عقولنا وعالمنا) ناقش “فيشر” كل ذلك وبيّن كيف أن العقل الرقمي المختلف تماماً عن نظيره البيولوجي/الواقعي يمنع حالات التمايز والتفرّد في التطبيقات الذكية.