الثورة – رولا عيسى وميساء العلي:
مر النسيج السوري بمراحل تاريخية تركت بصمة عالمية فريدة، ما جعله يشكل قطاعاً اقتصادياً استراتيجياً بالنسبة لسوريا.
وفي محاضرة أقامتها مؤسسة “حقولنا الخضراء” بالتعاون مع شركة أسامينا، في مبنى مؤسسة الكفاءات بأبو رمانة، انتقلنا في رحلة استثنائية إلى عالم صغير يحمل في طياته أسراراً اقتصادية وبيئية مدهشة عن أولى مقدمات صناعة الحرير، بدأت من دورة حياة “دودة القز” بوصفها كائنات صغيرة نسجت في تاريخ البشرية حريرها الذهبي.
ولمعرفة دورها الفريد في توازن الطبيعة، وكيف يمكن لتربيتها أن تكون جسراً نحو تنمية مستدامة، قدمت المهندسة الزراعية مرح عزام محاضرة حول دورة حياتها، أساليب تربيتها، والفوائد الاقتصادية والبيئية لصناعة الحرير.
وفي إطار ذلك تقول عزام لـ”الثورة”: تربية دودة القز وصناعة الحرير تمثل قطاعاً زراعياً وصناعياً واعداً، تجمع بين الجدوى الاقتصادية والمحافظة على البيئة، مشيرة إلى أن هذه الصناعة تحتاج إلى دعم حكومي وتوعية المزارعين لتعظيم فوائدها، خاصة في الدول ذات المناخ المناسب مثل مصر وسوريا والمغرب.
وتحدثت الخبيرة الزراعية عن الفوائد الاقتصادية لصناعة الحرير، منوهة بأنها مصدر دخل مربح، فالحرير من أغلى الألياف الطبيعية، ويُباع بأسعار مرتفعة في الأسواق العالمية.
وتقول: توفر صناعة الحرير فرص عمل في الزراعة والتصنيع والتسويق، وتستخدم في صناعات متعددة منها صناعة الملابس الفاخرة، المفروشات، الأدوات الطبية، ومستحضرات التجميل، كما يمكن الاستفادة من مخلفات الشرانق في صناعة الأسمدة والأعلاف، وفقاً للمهندسة عزام.
وتتطرق إلى دور تربية دودة القز كمشروع في تنمية الريف، ويمكن للمزارعين تحسين دخلهم عبر تربية دودة القز كعمل إضافي.
فوائد بيئية
أما الفوائد البيئية لتربية دودة القز، فإنها تتمثل في تشجيع زراعة أشجار التوت، ما يساهم في زيادة المساحات الخضراء وتحسين جودة الهواء، كما أنها إنتاج طبيعي صديق للبيئة- وبحسب الخبيرة الزراعية- صناعة الحرير تقلل الاعتماد على الألياف الصناعية (مثل البوليستر) التي تسبب التلوث، مشيرة إلى أن فوائدها لا متناهية، وتسهم في تدوير المخلفات، من خلال إمكانية استخدام فضلات دودة القز كسماد عضوي غني بالنيتروجين.
وتقدم المهندسة عزام نصائحها لنجاح مشروع تربية دودة القز، فيجب اتباع الخطوات التالية:
1. توفير البيئة المناسبة: – درجة الحرارة المثالية: 23-28°م. – الرطوبة: 70-80%. – التهوية الجيدة لمنع الأمراض.
2. التغذية: – الغذاء الأساسي هو أوراق التوت الطازجة (يجب أن تكون خالية من المبيدات). – تُقدّم الأوراق 3-4 مرات يومياً بكميات كافية. 3
. رعاية اليرقات: – تنظيف المكان يومياً من الفضلات والأوراق القديمة. – فصل اليرقات المريضة أو الضعيفة لمنع انتشار العدوى.
4. جمع الشرانق: – بعد تكوين الشرنقة، تُجمع بعناية بعد 7- 8 أيام. – تُقتل الخادرات داخل الشرانق بالحرارة (بخار الماء أو التجفيف) للحفاظ على خيط الحرير.
وتشرح المهندسة عزام دورة حياة دودة القز بأنها تمر بأربع مراحل رئيسة من البيضة (التفريخ) عندما تضع الفراشة الأنثى نحو 300-500 بيضة على أوراق التوت.
وتفقس البيوض بعد نحو 10- 14 يوماً، حسب درجة الحرارة والرطوبة، ومن ثم تتحول إلى اليرقة، وبعد الفقس، تتغذى اليرقات على أوراق التوت بكثافة لمدة 25-30 يوماً، وتمر اليرقة بعدة انسلاخات (عادة 4 مراحل) حتى تصل إلى الحجم الكامل.
وعندما تكتمل النمو، تفرز اليرقة خيطاً حريرياً حول نفسها لتكوين شرنقة، تستمر هذه العملية 3- 8 أيام، وفي داخل الشرنقة، تتحول اليرقة إلى خادرة ثم إلى فراشة بعد نحو 10-14 يوماً.
وتخرج الفراشة من الشرنقة، لكنها لا تعيش طويلاً (نحو 5-10 أيام)، وتتزاوج وتضع البيض لتبدأ الدورة من جديد.
لماذا دودة القز مهمة؟
عن أهمية دودة القز واختيارها كأهم المشاريع تقول رئيس مجلس أمناء مؤسسة حقولنا الخضراء:
إنها جسر بين الطبيعة والإنسان فمنذ آلاف السنين، ارتبطت دودة القز بالحضارات، من الصين القديمة إلى طريق الحرير الأسطوري، وهي شريك في صناعة أحد أرقى الألياف الطبيعية “الحرير”.
وتشير إلى أن البحث المقدم جاء بهدف زيادة ودعم البحث العلمي في المجال الزراعي، ويعتبر مشروع تربية دودة القز رمز للاستدامة، إذ تستهلك هذه الصناعة موارد طبيعية محدودة مقارنة بالصناعات الأخرى، وتُنتج مادة قابلة للتحلل بنسبة 100 بالمئة، ما يجعلها صديقةً للبيئة.
وتقول: دودة القز ليست مجرد قصة بيولوجية، بل هي نموذج للاقتصاد الدائري حيث كل شيء يُستثمر، وكل فرد له دور، مشيرة إلى أهمية إحياء هذه الصناعة، إذ يمكن أن يكون جزءاً من حلول للتحديات البيئية والاقتصادية.
وتختم الدكتورة القبلان: خيط الحرير الذي تنسجه هذه الدودة الصغيرة قادر على ربط الماضي بالمستقبل، فلنكن معاً خيوطاً في نسيج هذا التغيير.