ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم: يتلون الموقف الأميركي من الأزمة في سورية.. تارة بالاتفاق مع روسيا على الحل السياسي.. وتارة بالاختلاف، وبين الاتفاق والاختلاف يتدرج الدور الأميركي وفق التوقيت الذي يصدر فيه.
فإذا كان في الليل متوافقاً أو متفاهماً مع الرؤية الروسية.. يأتي الصباح ليكون كل شيء مختلفاً، وهذه ليست طرفة سياسية بل واقعة حقيقية تعكس جوهر الموقف الأميركي المتذبذب، الذي يتأثر بالطرف الذي يناقش معه المسألة، والتوقيت الذي جاءت فيه المناقشة!!
فحين التقى الرئيس اوباما مع الرئيس بوتين، كان الحديث عن نقاط اتفاق وقواسم مشتركة، وحين التقى أردوغان، كان الموقف بإعلان الاختلاف والخلاف مع روسيا والصين!!
في كل الأحوال، ليس هناك مفاجآت في هذا التلون الأميركي الذي يتحرك وفق معطيات الحدث وحسابات الربح والخسارة، لكنه في النتيجة النهائية، يعكس واقعاً سياسياً لا يمكن تجاهله وهو أن الارتباك الأميركي يترجم إلى حد كبير بذلك التلون الذي يبدو أقرب إلى التخبط منه إلى التعمد.. بدليل أن الرؤية الأميركية كانت على الدوام عرضة لتبدلات حادة من جهة.. وعدم وضوح في الخيارات من جهة ثانية.
منذ بداية الأزمة، كانت إدارة الرئيس أوباما تبدي موقفاً يحتمل التفسير المتناقض على الأقل، بين ما تظهره من مواقف وما تبطنه من ممارسات، وبدل العمل على إزالة ذلك الالتباس، غاصت الرؤية الأميركية في متاهة الحسابات المؤقتة واعتمدت أساساً على الظواهر الإعلامية الكاذبة، فيما انخدعت في الحالين بكثير من التقييمات التي قدمتها أدواتها في المنطقة.
فالتطمينات التي أطلقتها تلك الأدوات، كانت تشير إلى أشهر قليلة وتحسم المسألة.. ثم أضافت أشهراً أخرى.. وبعدها طلبت تعديلات.. ما لبثت أن طالبت بدخول أميركي مباشر على الخط.. ووضعت الإدارة الأميركية ثقلها كاملاً، بشكل مباشر وغير مباشر وجيّرت في سبيل ذلك أدواتها القديمة والجديدة.. المستخدم منها وغير المستخدم.. ووصل بها الأمر في بعض المراحل إلى التلويح بالخيار العسكري حتى خارج مجلس الأمن، متزامناً مع تسريبات البنتاغون عن الخطط الجاهزة، وأخيراً المجاهرة بالرغبة في إنهاء مهمة المراقبين والعودة مجدداً إلى مجلس الأمن.
اللافت أن الحديث عن «فك الارتباط» بين الموقف الأميركي من الأزمة في سورية وبازار الانتخابات الأميركية لم يحتمل أكثر من ساعات، بل إن الاستنتاجات التي بنيت على فك الارتباط ذاك لم تكن دقيقة، لأن الرئيس أوباما المحكوم بروزنامة الاستحقاقات الانتخابية، لا يمتلك ما يكفي من أوراق للفصل وليس بمقدوره تجاوز ذلك حتى لو صدقت النيات؟!
ربما هذا يفسر جزءاً من ذلك التلون في الموقف الأميركي.. لكنه لا يكشف عن خفايا وأسرار ما يجري في الكواليس وضمن الغرف المغلقة، لأن الوعود والتطمينات المتبادلة بين الإدارة الأميركية وأطراف التآمر في المنطقة كانت تراهن على إحاطة الجنرال مود في مجلس الأمن.. لرسم سيناريو مختلف اقتضى ذلك التلون والتذبذب الأمريكي.
لكن .. حين غرّبت عقارب المجلس خارج المزاج الأميركي كانت الاستعانة بالأوراق القديمة.
الاختلاف الأميركي مع روسيا والصين لا أحد ينكره، وهو واقع لا محال بين دور يريد أن يهيمن وآخر يبحث عن التوازن.. لكنه في سياسة الإدارة الأميركية، تحول إلى المطية الجديدة لحسابات لم تكتفِ بما احدثته، بل تتطلع إلى خلط الأوراق للمماحكة السياسية حول ما قاله هذا ومالم يقله ذاك..!!
لكن.. ريثما تستطيع الإدارة الأميركية حسم خياراتها وتدقيق حسابات أمزجتها الانتخابية، فإن العالم يدرك أن المسألة ليست رهناً بما تقرره واشنطن.. ولا بما تعمل عليه.. وإنما وفق مقتضى المتغيرات في المشهد الدولي، لأن الخلاف مع روسيا والصين أبعد بكثير من اعتراف أميركي: إنه إقرار بواقع حال قائم.. وإدراك بأن حسابات اليوم ليست تلك الناتجة من بيادر الأمس بل هي حصاد مباشر لما يجري على الساحة الدولية.
والأهم من هذا وذاك، أن السوريين الذين يقرؤون بدقة معاني هذا الاختلاف، لم يراهنوا يوماً إلا على إرادتهم.. وأن الاختلاف هنا يعزز هذه الإرادة بل يؤكد صحتها سواء أقرت إدارة الرئيس أوباما بذلك أم راوغت من جديد أو عادت إلى النفخ في أدوار مشيخات الخليج وحكومة أردوغان لأن في الخيارين ثمة بدائل يتقنها السوريون ويجيدون التعامل معها.
a.ka667@yahoo.com