ثورة أون لاين-بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:يخرج الدور الإسرائيلي من زواياه المقفلة سياسياً، ويتحرك داخل قاعه الآسن في ساحة التحريض ويستعيد دور «المرشد» العلني لأدوات المؤامرة، بعد أن استنفد أغراضه في إدارتها من خلف الكواليس.
وما عجزت الإدارة الأميركية والغرب ومشيخات الخليج عن إعلانه جهاراً.. كانت الوقاحة الإسرائيلية تبوح به، وما فشلوا في التعبير عنه.. تستطيع إسرائيل أن تترجمه، وما ترددوا في الإفصاح عنه تتكفل به.
الخروج الإسرائيلي المتزايد هذا، يعكس اتجاهاً واضحاً في الاصطفاف السياسي الذي أملته المتغيرات من جهة، واقتضاه تعثر وارتباك أدوات المخطط في المنطقة من جهة ثانية، كما يكشف عن الضوء الأخضر الأميركي من جهة ثالثة، بعد أن لفه الغموض وأطبق عليه الصمت لأشهر، فيما كان ظهوره بين الحين والآخر نوعاً من التعمية السياسية.
لكن، كل هذا قد لا يكفي لتفسير هذا الاصطفاف الإسرائيلي في الواجهة، لدعم خيارات التدخل العسكري، بهذا التوقيت وبهذه الصيغة.. فهل هي حاجة إسرائيلية تمليها التطورات الأخيرة؟ أم هو أبعد من ذلك، حين يوضع في خانة استنفار كل الأدوات من أجل التصعيد بعد اليأس من التجارب السابقة؟!
لا أحد يشك في أن إسرائيل كانت تنتظر «الجائزة الكبرى» من موسم الصقيع العربي بإسقاط سورية، لكن هذه الجائزة بدت مجرد سراب، وهي تكتشف يوماً بعد يوم، أن كل التقديرات السياسية والاستخباراتية، وكل الدراسات والتحليلات سقطت هنا، على مدرج استهداف سورية، وبدت خادعة حتى للإسرائيليين أنفسهم.
إن أميركا المصدومة من صلابة الموقف الروسي والصيني أرادت أن تعيد ترتيبَ أوراقها، وهذه الإعادة اقتضت الغوص في القاع الآسن ذاته، والاستنجاد بإسرائيل كواجهة مفتوحة، لأنه لم يعد هناك ما يمكن التستر عليه، وهذا يقتضي في حده الأدنى إعادة خطوط التموضع لهذه الأدوات، ولو كانت عفنة ومتخمة بشوائب ذلك القاع.
إسرائيل في المقدمة.. ومعها من يحمل أوهامه العثمانية.. وقبله أدوار امتهنت الطعن النازف في خاصرة القضايا العربية، وخلفهما مشيخات الخليج المتأهبة لرهن مستقبلها وأموالها في طاعة السيد الأميركي وولي الأمر الإسرائيلي.
هكذا تشكلت جبهات الاستهداف، وأفضت إلى هذا الخليط العجيب، مع إضافة الدور الأوروبي وخصوصاً البريطاني منه، ليكون أكثر اتساقاً مع العرف التاريخي لأدوار الهيمنة في المنطقة، ولتبدأ واشنطن بحرب تسريبات ومعارك نفي ونفي مضاد، فيما الأرض تمهد لمزيد من الإرهاب وفتح بوابات جديدة للمواجهة!!
لم يكن الأمر بحاجة إلى تسريبه عبر نيويورك تايمز كي يتأكد الجميع مما سبق لهم أن تأكدوا منه غير مرة، بأن الدعم الأميركي للتنظيمات المسلحة في سورية لا يقتصر على السياسي منه أو اللوجستي، بل يشمل أيضاً التدريب والتسليح، كما يشمل التخطيط، ويتم بالتنسيق المباشر مع إسرائيل التي تقوده من كواليس المشيخات.
وبالتالي، فإن إعادة تسريبه ومن ثم مسارعة البيت الأبيض إلى نفيه بلغة تؤكده، يحتمل أكثر مما ورد في بيان النفي ومتن التسريب، خصوصاً إذا ما اقترن بالتوقيت الذي تم فيه.
فالإدارة الأميركية التي كانت تراهن على معادلات جديدة ناشئة في المنطقة، بادرت إلى الاستعانة بأدواتها القديمة في اصطفافها السياسي لتستكمل ضفتا المواجهة ملامحهما.
موقف روسي واضح.. واستماتة أميركية أوضح في الذهاب أبعد.. وحدها حجر الرحى ومن معها التي تحرك اتجاهات المشهد .. تدرك هذه الحقيقة.. وتتعامل وفق معطياتها.. تبني رؤيتها على الخلاصة الأكيدة، بأنها تعيد التاريخ إلى تموضعه السابق.. حيث ضفة سياسية تقودها الأطماع والاستلاب والهيمنة والتسلط.. فيما الضفة الأخرى تملؤها روح الشرق بنكهتها الإنسانية الممانعة لفروض القوة والتجبر على الدول والشعوب..
حجر الرَّحى هذه بدأ الإقرار بأحقيتها.. وربما بحقيقة تموضعها.. وأنها بيضة القبان في الحسابات الكبرى.. والاستجرار الأميركي للعامل الإسرائيلي.. دليل دامغ على أن المواجهة تستقصي أبعادها من جوهر الصراع التاريخي الذي يستعيد فتح جبهاته المؤجلة.. أو المسكوت عنها أو التي كان يراد أن يُسكت عنها في زمن الصقيع العربي!!
a.ka667@yahoo.com