أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي
كشفت مصادر دبلوماسية مغربية عن إغلاق المكاتب التي كانت تشغلها جبهة “البوليساريو” في دمشق، في خطوة وُصفت بأنها تعكس التزام سوريا بوحدة أراضي المملكة المغربية، وتأتي بالتزامن مع توجه الرباط نحو إعادة فتح سفارتها في سوريا، بعد أكثر من عقد من القطيعة الدبلوماسية.
ووفق وكالة المغرب العربي للأنباء، فقد انتقلت بعثة مشتركة من مسؤولين سوريين ومغاربة إلى مواقع تلك المقرات لمعاينة عملية الإغلاق ميدانياً، وسط تأكيدات رسمية بأن هذه الخطوة تنسجم مع الموقف السوري الرافض لأي دعم للكيانات الانفصالية، في إشارة واضحة إلى مراجعة دمشق لموقفها السابق تجاه “البوليساريو”.
وأوفدت وزارة الخارجية المغربية بعثة تقنية إلى دمشق، بهدف استكمال الإجراءات العملية المرتبطة بإعادة افتتاح السفارة المغربية، تماشياً مع قرار العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي أعلنه خلال القمة العربية الرابعة والثلاثين في بغداد، مؤكداً أن هذه الخطوة ستسهم في تعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين.
وتجري البعثة المغربية سلسلة من اللقاءات مع كبار مسؤولي وزارة الخارجية السورية، لبحث الترتيبات القانونية واللوجستية المتعلقة بعودة السفارة، في ما يُنظر إليه على أنه تمهيد لانطلاقة جديدة في العلاقات الثنائية.
إغلاق مكاتب “البوليساريو” في دمشق يمثل، بحسب مراقبين، تحوّلاً في السياسة السورية الإقليمية، إذ يُعدّ انفكاكاً تدريجياً عن التحالفات الأيديولوجية القديمة، خصوصاً مع الجزائر، التي لطالما دعمت الجبهة الانفصالية.
وتشير هذه الخطوة إلى انفتاح سوري على المغرب واستعداد لاستعادة علاقات طبيعية وربما استراتيجية، ضمن مقاربة سياسية أكثر براغماتية.
ويُفهم هذا الإجراء كـ”بادرة حسن نية” تجاه الرباط، خصوصاً أن جبهة “البوليساريو” تُعد خصماً مباشراً للمغرب في ملف الصحراء الغربية، ما يضفي على الخطوة السورية طابعاً سياسياً ذا رمزية قوية في المشهد المغاربي.
تأتي هذه التطورات في ظل تغيرات لافتة في المواقف الإقليمية تجاه ملف الصحراء، حيث تزايدت الاعترافات بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية، حتى من بعض الدول التي كانت تُصنَّف سابقاً ضمن “محور الممانعة”.
ومن شأن إغلاق مكتب “البوليساريو” في سوريا أن يُضعف الجبهة معنوياً وسياسياً، ويعكس انزياحاً في التوازنات الإقليمية لصالح المغرب.
كما يعكس الإجراء توجه سوريا إلى الانخراط في مسار إقليمي جديد يستهدف طيّ صفحة العزلة السياسية، وبناء شبكة علاقات متجددة تقوم على المصالح المشتركة، بعيداً عن التحالفات العقائدية الجامدة.
سبق للملك محمد السادس أن بعث برسالة تهنئة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، عبّر فيها عن استعداد بلاده لدعم سوريا في مساعيها لاستعادة الأمن والاستقرار، مشدداً على وحدة الأراضي السورية.
كما أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خلال القمة العربية، أن إعادة فتح السفارة المغربية في دمشق تعكس التزام الرباط بمساندة الشعب السوري وتطلعاته.
وتأتي هذه الخطوات في سياق تجاوز القطيعة التي امتدت لأكثر من 12 عاماً، منذ أن قررت الرباط في 2012 تجميد علاقاتها مع النظام السوري، على خلفية قمع الاحتجاجات الشعبية.
اليوم، تعود قنوات الاتصال الدبلوماسي تدريجياً، في مشهد يعكس تغير الأولويات وتبدّل الحسابات في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية.
يرى محللون أن قرار دمشق بإغلاق مقار “البوليساريو” يحمل دلالة رمزية على الانفكاك من تحالفات الحرب الباردة، وتبنّي سياسة أكثر واقعية في علاقاتها العربية، خصوصاً مع الدول التي تُعد فاعلة في الشمال الإفريقي.
كما أن هذه الخطوة توفّر أرضية خصبة لتطوير العلاقات الثنائية مع المغرب على مختلف المستويات، السياسية والاقتصادية والثقافية.
ويبدو أن هذا التحوّل يأتي في إطار استراتيجية أوسع تتبعها دمشق، تقوم على استعادة حضورها في المنظومة الإقليمية العربية، بالتوازي مع إعادة ترتيب علاقاتها الخارجية على أساس المصالح المتبادلة، بعيداً عن الشعارات الأيديولوجية التي طبعت المرحلة السابقة.