أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي
في لحظة توصف بأنها فارقة في تاريخ الاقتصاد السوري الحديث، تستعد دمشق لاحتضان توقيع اتفاق استثماري ضخم بين الحكومة السورية وأربع شركات كبرى من قطر وتركيا والولايات المتحدة، وذلك بعد أيام من صدور قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات الاقتصادية القطاعية عن سوريا.
هذا الحدث لا يعكس فقط تحولاً في المقاربة الدولية تجاه سوريا، بل يُعد التطبيق العملي الأول لعبارة: “رفع العقوبات ليس مجرد تصريح دبلوماسي، بل واقع يتجسد في المشاريع والاستثمارات”، ويهدف الاتفاق لتوسيع شبكة الكهرباء في البلاد بقدرة إضافية تصل إلى 5000 ميغاواط، في خطوة قد تفضي إلى مضاعفة حجم الإمدادات الكهربائية الحالية.
بحسب دعوة إعلامية صادرة عن شركة “UCC” القطرية القابضة، سيتم اليوم الخميس توقيع اتفاقية كبرى لإطلاق مبادرة “إحياء الطاقة في سوريا”، في القصر الرئاسي السوري.
الاتفاق يتضمن مشروعاً لتوسيع شبكة الكهرباء السورية بقدرة إضافية تبلغ 5000 ميغاواط، ما يُحتمل أن يؤدي إلى مضاعفة الإمدادات الكهربائية في البلاد، عبر تطوير توربينات غازية ومحطات طاقة شمسية.
ويشمل الاتفاق التعاون مع ثلاث شركات أخرى هي: “Kalyon GES Enerji Yatirimlari” التركية، و”Cengiz Enerji”، و”Power International USA”، وذلك ضمن إطار خطة لإعادة تأهيل البنية التحتية للطاقة في سوريا.
وستشارك في المشروع كل من:(UCC Concession Investments – قطر،Kalyon GES Enerji Yatirimlari – تركيا، Cengiz Enerji – تركيا،Power International USA- الولايات المتحدة الأمريكية وفق مراقبين، فإن توقيع هذا الاتفاق أول اختبار عملي لجدية القرار الأوروبي الأخير بشأن رفع العقوبات، وتحوّله من خطوة سياسية إلى واقع اقتصادي.
فالتقارب الاستثماري بين أطراف دولية متعددة — من دول عربية مثل قطر، وإقليمية مثل تركيا، وغربية مثل الولايات المتحدة — يُشكل دليلاً على أن سوريا باتت تُنظر إليها كبيئة آمنة نسبياً للاستثمار، لا كمنطقة خطر أو عزلة.
ومن شأنه أن يوصل رسائل سياسية واستراتيجية إلى الداخل والخارج، إذ إن هذا الاتفاق هو بمثابة “ختم دولي” على تغير الواقع السوري، ورسالة بأن العزلة لم تعد خياراً مطروحاً، وأن التنوع الجغرافي للشركات (عربية، إقليمية، دولية) يعكس نجاح النهج السوري الجديد القائم على التوازن وعدم التبعية، كما أن الاستثمار يُرسّخ القناعة بأن سوريا باتت شريكاً فاعلاً في المنطقة، لا متلقياً للمساعدات فحسب.
وللداخل السوري، يعني الاتفاق أن الأفق بدأ ينفتح، لكن التحديات لا تزال قائمة، وأن هذه الخطوة تمثل بداية المسار، لا نهايته، وثمارها ستظهر تدريجياً في تحسين البنية التحتية وتوفير فرص العمل، وأن سوريا اليوم تخطو بثبات نحو استعادة اقتصادها ومكانتها، من خلال مشاريع إنتاجية، لا عبر وعود فارغة.
وبرأيهم، ما كان لهذا التحول أن يتحقق لولا المسار السياسي والدبلوماسي الذي قاده الرئيس أحمد الشرع، والذي نجح في إعادة ربط سوريا بالمنظومة الإقليمية والدولية من موقع الندّ والشريك، محافظاً على السيادة ومتجنباً الإملاءات، فحتى في ذروة انفتاح النظام السابق، لم تشهد البلاد اتفاقاً استثمارياً بهذا المستوى من التنوع والتوافق الدولي.
وتشير المعطيات على الأرض إلى أن الطريق لا يزال طويلاً، والتحديات الاقتصادية واللوجستية في سوريا معقدة، لكن ما حدث اليوم يشكل منعطفاً حقيقياً، فـ “إحياء الطاقة” ليس مجرد مشروع تقني، بل هو مؤشر سياسي واستثماري يحمل رسالة إلى الداخل والخارج: سوريا تعود إلى الحياة، لا عبر الخطابات، بل عبر الكهرباء، والوظائف، والاستثمار، وبناء المستقبل.
ولعل أبرز التحديات التي واجهت الحكومة السورية الجديدة في جهودها لإعادة تحسين قطاع الطاقة، في ظل انقطاع شبه كامل للكهرباء خلال سنوات الحرب تمثلت في “دمار واسع في البنية التحتية للطاقة خلال سنوات الحرب، وفقدان الموارد الاستراتيجية، والعقوبات الدولية وتقييد الشراكات، كذلك نقص التمويل وفجوة الاستثمار، وهجرة الكفاءات الفنية، وتحديات إدارية وفساد مؤسساتي، فجوة كبيرة بين الطلب المتزايد والإنتاج الضعيف”.
وكانت تعرضت معظم محطات التوليد وخطوط نقل الكهرباء إلى استهداف مباشر بالقصف أو التخريب، ما أدى إلى انهيار شبه تام في الشبكة الكهربائية.
كما تعرضت منشآت التخزين وشبكات التوزيع لأضرار جسيمة نتيجة الإهمال وغياب الصيانة، ما جعل إعادة الإعمار تتطلب استثمارات ضخمة وجهوداً طويلة الأمد.
ورغم حجم التحديات، يُنظر إلى الاتفاق المرتقب لتوسيع شبكة الكهرباء بقدرة 5000 ميغا واط مع أربع شركات من قطر، السعودية، تركيا، والولايات المتحدة، كمؤشر على بداية مرحلة جديدة، ويأتي هذا المشروع الاستثماري في أعقاب قرار الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، ما يُفسّر بأنه لحظة مفصلية في مسار التعافي الطاقي والاقتصادي، ويُعد أول ترجمة عملية لمبدأ “رفع العقوبات ليس كلاماً سياسياً بل هو واقع استثماري”، ويؤشر إلى ثقة متزايدة من قبل الشركات الدولية بجدوى الاستثمار في سوريا.