الكاتبة الإماراتية “عائشة سلطان”: أمنيتي أن أزور سوريا الأمثولة.. القارئ ملول إن لم نحدّث أدواتنا يبتعد عن كلماتنا
الثورة – لقاء سعاد زاهر:
الكاتبة والإعلامية الإماراتية عائشة سلطان تحيك كلماتها بشكل يومي، على وقع رحلاتها وتعاطيها مع بشر مختلفين، ما يجعل تجربتها الأدبيّة مختلفة، تتجرّد فيها من ذاتها لتنطلِق في عوالم أكثر اتساعاً، تطول مختلف أسفارها الطويلة والتي جمعتها في كتاب “هوامش في المدن والسّفر والرّحيل”.
لها حضور دائم في مختلف الملتقيات والمعارض الثقافيّة، مؤخراً وفي معرض أبو ظبي للكتاب الأخير وقّعت مجموعتها القصصيّة “خوف بارد” حول قضايا أدبية وإعلامية، كان لصحيفة الثورة معها الوقفة التالية:
– في معرض أبو ظبي للكتاب نظم صالون المنتدى مناقشة للمجموعة القصصية “خوف بارد”، وهي أولى تجاربك السردية، وفيها على ما يبدو إحاطة بيوميّات الناس، ما الذي يميّز هذه المجموعة؟
من وجهة نظري الميزة الأولى أنها أول مجموعة قصصية بعد احتراف الكتابة الصحفية لمدة قاربت (27) سنة، هي أول نصوص تنشر، لكن في الحقيقة الكتابة السردية غالباً، ما خالطت كتابتي اليومية للمقال.
الأمر الآخر، أنها ليست على طريقة من كل بستان زهرة، المجموعة تنضوي تحت موضوع المخاوف الإنسانية التي تسيطر على الإنسان، الخوف من المشاعر الإنسانية الجامعة للبشر، فليس هناك إنسان لا يخاف.
تتعدد المخاوف التي تحاصرنا وقد تتجسد في الخوف من فكرة، كثيرة هي المخاوف التي تمر على حياتنا، ليس هناك من مشاعر تحرك هذه البشرية مثل الخوف.
– لك حضور دائم في معارض الكتب ومن بينها معرض الشارقة للكتاب، وأبو ظبي.. ماذا تقدم هذه الملتقيات الثقافية للكاتب؟
لا شك أن المعارض ملتقيات ثقافية وفكرية، لكن تغير مفهوم معرض الكتاب، لم يعد فقط، منصّة تضم منصّة وناشراً وقارئاً، أصبح منصّة أكثر عمقاً، وتغيراً انطلاقاً من تبدل مفهوم المكتبة فهي لم تعد للكتب فقط، أصبحت متعددة المحتوى.. فبعض المكاتب تضمّ مقاهي، غرف اجتماعات، مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام الحديث يسجلون بود كاست، إذاعات مرئية، كل هذا توفره منصات معرض الكتاب، يلتقي فيه الناشرون، والكتّاب كي يوقعوا على حقوق نشر، طبعات مشتركة..
لقد أصبحت المعارض منصّات ثقافيّة شاملة، وليس فقط ملتقيات لعرض الكتب.
أرى أنه ما يدعو للفخر في الإمارات أنها على صغرها، وحداثة عمرها السياسي تحتوي معرضين للكتب معرض الشّارقة في تشرين الثاني، ومعرض أبو ظبي في شهر نيسان – أيار.
– تكتبين المقال اليومي في صحيفة البيان منذ 28 عاماً، كيف تجدّدين أدواتك وحماسك للاستمرار؟
من يطلع على تجربتي الصحفية في الإمارات على امتداد هذا الزمن الطويل من بداية التسعينيات حتى اليوم وبشكل متواصل، إلا فيما ندر، يجد المتابع التنويع في الأساليب والمرونة والتطوّر، لأن القارئ ملول إن لم تُجِد تحديث أدواتك يبتعد عن كلماتك.
إنني أكتب المقال اليومي منذ عام (1997) بشكل يومي، قبل ذلك من (1995) ولمدة سنتين كنت أكتبه أسبوعياً، عندما انضممت للجريدة أصبح يومياً، حماسياً للمقال نابع من شغفي للقراءة والكتابة، لا يمر يوم لا أقرأ فيه.
– في كتابك “هوامش في المدن والسفر والرحيل” تعاطٍ مع الأسفار والأماكن، كيف قادك السفر إلى هذه الرحلة الأدبيّة؟
مجموعة الأسفار التي قاربت على (25) سنة تقريباً، أسافر منذ عام (1999) بشكل منتظم، بشكل سنوي، على الأقل مرتين في السنة، قبل عام (1999).
اعتدت على السّفر منذ طفولتي حين كنت أسافر مع أهلي، أول مرة ركبت الطيارة كنت في الثانوية العامة، حيث سافرنا إلى باكستان، وهي الوجهة التي كان يسافر إليها أهل الإمارات في ذلك الوقت.
عندما بدأت العمل في الصحافة بدأت أسافر كرحلاتِ عمل، مؤتمرات، عندما أصبحت رئيسة الصحفيين سافرت إلى جميع الدول العربية باستثناء دولتين أتمنى من كل قلبي أن أزورهما في أقرب فرصة، العراق وسوريا.
في كل الأماكن التي زرتها لم أتعامل مع تلك المدن كسائحة، بل كنت أدخل إلى عمق تلك المدن وروحها بنضج كاتبة تبحث عن حالة أدبية تتعاطى معه، أطرح أسئلتي الخاصة وأبحث عن إجابات عن حضارات وسلوك بشر تلك المدن، كل تلك الأفكار جمعتها في كتاب تحت عنوان “هوامش في المدن والسفر والرحيل”.
– ما الذي يغيره فيك السفر؟
“سافر ففي الأسفار سبع فوائد” العمل في مدن الحداثة يعرضنا لضغوطات كثيرة، والسفر يغير المزاج قبل أي شيء، تغير في المناخ العام، تتغير المشهدية الاعتيادية، وتبدأ باكتشاف سلوك بشر جدد، عاداتهم، ثقافتهم، حضاراتهم، حوانيتهم، أزقتهم.
على سبيل المثال في رحلتي الأخيرة إلى مدينة بطرسبورغ ذهبت لزيارة منزل كاتبي المفضل دوستوفسكي.
السفر يزيدني معرفة وانفتاحاً ورؤية للحياة، ويغير نظرتي لأشياء كثيرة أيضاً، كما أنّني أتعاطى مع الآخر المختلف عني عن قرب بالتقاء إنساني نكتشف فيه إلى أي درجة بإمكاننا التواصل مع كل شخص على هذه الأرض.
– الإمارات بلد لامع غارق في فلسفته الفكرية والأدبية الخاصة، كيف تتغذين من فلسفته في نتاجك الأدبي؟.
أنا ابنة الإمارات هوية وتربية ولهجة وتعليماً وتنشئة.. أنا إماراتية حتى النخاع.. تربيت على تعاليم أسرة إماراتية، وتشربت تعاليم وتوجيهات الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، ومؤمنة بمنهج وسياسة وتوجهات دولتي وفخورة بكل إنجازاتها وفلسفتها في التعامل مع الشأن الداخلي والخارجي.
– ماذا تقولين للشعب السوري الذي يعيش أفراحه المتجدّدة بعد التحرير؟.
منذ تحررت سوريا وأنا أفكر بزيارتها للعيش مع الشعب السوري حالة الفرح، مبارك للشعب السوري حريّته وخلاصه من الديكتاتورية التي أحكمت خناقها عليه طويلاً، فهو شعب عظيم ويستحق الحياة والمستقبل الأجمل.
لكن الشّعب السّوري وكل الشّعوب التي خرجت من ظروف صعبة ومرهقة ومعطلة لحركة التقدّم والتطوّر، بحاجة لأن تستلهم من تاريخها العظيم ومن التجارب القاسية التي مرّت بها، لبناء دولها بجديّة بقيم العمل الصارمة، لا بالطائفيّة والخلافات والنزاعات والكراهيّة، الحبّ يبني والعداء يفرق.
نحن في الشرق أصحاب حضارات عظيمة، وليس حضارة واحدة فقط (سوريا والعراق وشمال إفريقيا..) ينتمون لأعظم حضارات التاريخ، وهذا ما يجب أن يكون بوصلة هذه الشعوب، وليس مؤامرات الانقساميين والطائفيين والشعوبيين لأن هذا لا يليق بأبناء الحضارات، ولنا في ألمانيا واليابان اللتين خرجتا محطّمتين مهزومتين بعد الحرب العالميّة الثانية أسوة ومثل.