الأدب لا يولد من العزلة.. يعزّز صداقات الأرواح المتشابهة

الثورة – عمار النعمة:

بلا شك إن الصّداقة هي أثمن الكنوز التي يمكن للإنسان امتلاكها، فهي ليست مجرد علاقة، أو وجود شخص قريب، بل هي مساحة للمحبّة والتفاهم والتشارك والدعم.

وحين نقرأ الأدب، نجد الصّداقة بين المبدعين ينبوعاً للجمال، فقد شكّلت العلاقات الودّية بين الأدباء مساحة خصبة يتجلّى فيها الحوار الإنساني العميق، ما ينعكس في نصوصهم ويثري تجاربهم الإبداعية.

قد نعرف كلّاً منهم على حدة، لكننا قلّما نتوقف عند العلاقة التي جمعتهم، والتي تجاوزت الحوارات الأدبية لتغدو صداقة إنسانية عميقة، قائمة على احترام متبادل، وإيمان مشترك بقيمة الإنسان، وأهمية الكتابة كأداة لتغيير الواقع.

في هذا المقال، نغوص في خفايا هذه الصداقة، ونرصد أثرها في أعمالهما، فربما نفهم كيف أن الأدب الحقيقي لا يولد من العزلة فقط، بل من التلاقي النادر بين الأرواح المتشابهة.

فمثلاً عندما نتأمل في صداقات مثل تلك التي جمعت بين محمود درويش وسميح القاسم، ندرك أن هذه الروابط لم تكن مجرد لقاءات شخصيّة، بل كانت محركات قويّة للإبداع، ورافداً للإنتاج الثقافي العميق، فقد تبادل الشاعران القصائد والرسائل، متقاسمين رؤيتهما المشتركة للنضال والهوية، في علاقة أثّرت في كليهما، وخلّدت أثرها في أدبهما.

هناك صداقات بين الأدباء ساهمت في تشكيل تيارات إبداعية جديدة، كما حدث مع العقاد والمازني وعبد الرحمن شكري، حيث أثرت نقاشاتهم في تطوّر الشعر العربي الحديث.

في حين إن العلاقة بين عبد الرحمن الأبنودي وأمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله، كانت صداقة خاصة يتخللها المحبّة والنقاش والجدال لكنها انتهت بسبب الموت ما أضفى عليها طابعاً إنسانياً مؤلماً، خاصة مع رحيل يحيى الطاهر وأمل دنقل في عمر مبكر.

أما في الأدب العالمي، فقد كانت هناك صداقات جميلة مثل العلاقة بين ويليام وردزورث وصامويل تايلور كولريدج، وأسسا معاً الحركة الرومانسية في الشعر الإنجليزي، وتبادلا الأفكار حول الطبيعة والخيال، كذلك العلاقة الوثيقة بين د.إتش. لورانس وكاثرين مانسفيلد التي تحولت إلى دعم متبادل في الكتابة، وحتى انعكست في أعمالهم الأدبية.

وربما القارئ المخضرم يكتشف العلاقة الأبرز بين ليف تولستوي وأنطون تشيخوف فهي أكثر من مجرد صداقة أدبية، بل هي صداقة إنسانية عميقة، قائمة على القيم المشتركة والدفاع عن الفقراء والمهمشين رغم اختلاف خلفياتهما، فتولستوي الأرستقراطي المتصوّف، وتشيخوف ابن الفلاحين الواقعي إلا أن ما جمعهما كان نفور تولستوي من بيئته الأرستقراطية الفاسدة وانجذابه إلى عالم تشيخوف البسيط والبائس، حيث رأى فيه صدقاً وتواضعاً.

تولستوي كان يرى في تشيخوف أحد أفضل أصدقائه، وكانا يتناقشان في أمور الكتابة الإبداعية، رغم أن تشيخوف اشتهر أكثر بمسرحيّاته، هذه الصداقة لم تكن مجرد لقاءات أدبية، بل كانت انعكاساً لرؤية مشتركة حول العدالة الاجتماعية.

تشيخوف تأثر أيضاً بأسلوب تولستوي في تصوير الشخصيات، حيث بدأ في التركيز أكثر على التحوّلات الداخلية للأفراد، كما يظهر في مسرحيته “العم فانيا”، التي تحمل نقداً اجتماعياً مشابهاً لأفكار تولستوي حول الفساد واللامبالاة، ورغم اختلاف أساليبهما، إلا أن صداقتهما عززت توجههما نحو الأدب الذي يخدم القضايا الإنسانية ويعكس واقع المجتمع الروسي.

مراسلات أنطون تشيخوف تكشف الكثير عن أفكاره حول الكتابة والحياة، حيث كان يعبّر عن شكوكه في موهبته الأدبية ويشارك تأملاته حول دور الأدب في المجتمع، في إحدى رسائله، أشار إلى أنه كان يكتب بسرعة دون وعي كامل، لكنه أدرك لاحقاً أهمية الكتابة المتأنية والتعبير العميق عن الواقع الاجتماعي.

كما أن مراسلاته مع الأدباء الآخرين، مثل مكسيم غوركي، تعكس اهتمامه بالقضايا الإنسانية والاجتماعية، حيث ناقش تأثير الأدب في إحداث تغيير حقيقي في المجتمع، فهذه الرسائل تُعد سجلاً دقيقاً للحياة الثقافية في روسيا.

في الختام تبقى الصداقة القائمة على المحبة هي الأساس فهي بعيداً عن جمالها وإنسانيّتها تلعب دوراً جوهرياً في تشكيل الإبداع الأدبي والفني.

مثل هذه الصداقات توضح أن التفاعل بين العقول المبدعة يمكن أن يكون دافعاً قوياً للإبداع والتجديد، سواء عبر التحدي أو الإلهام أو حتى التنافس الإيجابي.

آخر الأخبار
2.5 مليون دولار لدعم مراكز الرعاية  من مجموعة الحبتور   السعودية تمنح سوريا 1.65 مليون برميل دعماً لقطاع الطاقة وإعادة الإعمار  حملة “دير العز”.. مبادرة لإعادة صياغة المشهد التنموي في دير الزور إقبال كبير في طرطوس على حملة للتبرع بالدم  الشيباني: سوريا تدعم مبادرات السلام والاستقرار الإقليمي والدولي "الأشغال العامة": الانتهاء من تأهيل أتوستراد دمشق - بيروت آخر أيلول  القانون الضريبي الجديد بين صناعيي حلب والمالية  أزمة البسطات في حلب.. نزاع بين لقمة العيش وتنفيذ القانون  جسر جديد بين المواطن والجهاز الرقابي في سوريا  90 مدرسة خارج الخدمة في الريف الشمالي باللاذقية  غلاء الغذاء والدواء يثقل كاهل الأسر السورية بعد تدشين سد النهضة..هل تستطيع مصر والسودان الحفاظ على حقوقهما المائية؟! قافلتا مساعدات أردنية – قطرية إلى سوريا 90 بالمئة من الأسر عاجزة عن تكاليف التعليم الحد الأدنى المعفى من الضريبة.. البادرة قوية وإيجابية.. والرقم مقبول عملية نوعية.. القبض على خلية لميليشيا “حزب الله” بريف دمشق "الإصلاح الضريبي" شرط أساسي لإعادة الإعمار المال العام بين الأيادي العابثة أرقام صادمة .. تسجلها فاتورة الفساد في قطاع الجيولوجيا الأسعار في ارتفاع والتجار في دائرة الاتهام سرافيس الأشرفية – جامعة حلب.. أزمة موقف بين المخالفات ومعيشة الأسر