أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي:
مثّل التفجير الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق لحظة صادمة في المشهد السوري، ليس فقط بسبب فداحة الخسائر، بل أيضاً لما يحمله من رسائل خطيرة في توقيت سياسي وأمني حساس تمرّ به البلاد بعد سقوط نظام الأسد.
لم يكن استهداف الكنيسة حدثاً عشوائياً، بل فعل محسوب بدقة من حيث التوقيت والمكان والرمزية، ما يدفع إلى قراءته في سياقه الأوسع بوصفه محاولة من الجهة المنفذة – داعش وفق تصريح الداخلية – لإعادة الفوضى وإجهاض مشروع الاستقرار في سوريا الجديدة.
جاء التفجير في وقت تعيش فيه سوريا مرحلة انتقالية دقيقة، تتّسم بإعادة ترتيب المؤسسات، والانخراط في تجربة سياسية جديدة بعد عقود من حكم الاستبداد، وبينما تنشغل الدولة بإعادة بناء أجهزتها، تسعى الكثير من الأطراف إلى التسلل عبر الثغرات الأمنية المؤقتة التي خلّفها سقوط النظام البائد، في محاولة لزعزعة الاستقرار وتعطيل مسار بناء الدولة.
اختار القاتل استهداف كنيسة مار إلياس خلال قداس يوم الأحد، في حي مدني مكتظ، لتوجيه رسائل متعددة:
أولاً، ضرب النسيج الوطني السوري من بوابة الطائفية الدينية، وثانياً، إحراج الدولة الجديدة أمام المجتمع الدولي من خلال استهداف دور عبادة مسيحية في وضح النهار، وثالثاً، بثّ مشاهد الرعب والترويع أمام الكاميرات لاستعادة حضوره الإعلامي، بعد أن تراجعت قدراته التنظيمية وموارده البشرية.
بعد تراجع نفوذه في سوريا والعراق، لم يعد بوسع تنظيم داعش التمدد جغرافياً، لكن إن ثبت قطعياً تورطه في الهجوم، فهو لا شكّ يسعى للبقاء من خلال استعراضات دموية تلفت الأنظار، وتبعث برسائل “الوجود القادر” رغم خسارته للمراكز والمقار، والتفجير بهذا الشكل يهدف إلى خلق صدمة إعلامية، واستعادة موقعه في المشهد الإقليمي كفاعل مخرّب في لحظة حرجة.
لا يمكن فهم تفجير كنيسة مار إلياس إلا باعتباره جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى ضرب الثقة بين السوريين والدولة الجديدة، وإعادة إنتاج حالة من عدم اليقين والانقسام، فالقاتل والمنفذ يدرك أن سوريا المستقرة تشكل تهديداً مباشراً لمشروعه القائم على الفوضى واللا دولة، من هنا، يسعى إلى تقديم نفسه كقوة قادرة على الحركة في مناطق هشّة، وتقديم بديل قاتم عن نموذج الدولة الوطنية الجامعة.
يحمل التفجير الكثير من الرسائل، فهي للدولة: أنكم عاجزون عن حماية المواطنين، وللمجتمع: لا أحد في مأمن، حتى في بيوت الله، وللخارج: سوريا لا تزال بيئة مضطربة، ولا يمكن الوثوق باستقرارها، لكن الواقع أظهر أن هذه الرسائل لم تلقَ استجابة، فالرد الشعبي والسياسي السوري كان صارماً وموحداً في إدانة التفجير، بما في ذلك من كل مكونات المجتمع السوري، ما أجهض أهداف المخطط والمدبر وأعاد التأكيد على وحدة النسيج الوطني السوري.
ومما لا شكّ فيه أن تفجير كنيسة مار إلياس ليس مجرد عمل إرهابي عابر، بل محاولة خبيثة لاستثمار الفوضى التي خلفها سقوط نظام الأسد، واستعادة الدور التخريبي عبر استهداف أكثر الأماكن حساسية وقداسة، لكنه فشل في تحقيق غايته، إذ أظهرت ردود الفعل السورية، الرسمية والشعبية، أن الدولة الجديدة أكثر وعياً وصلابة، وأن المجتمع السوري الذي عانى لسنوات لن يسمح بإعادة إنتاج الكراهية والطائفية من جديد.
وأمام هذه الهجمة، تتجلى أهمية وحدة السوريين حول مشروع الدولة، وإرادتهم المشتركة في استكمال معركة بناء وطن حر وآمن، بعيداً عن الظلاميين ومنتهكي الدين والإنسانية.