الثورة_ راغب العطيه:
يأتي فرض الاتحاد الأوروبي الاثنين الماضي حزمة من العقوبات على خمسة أشخاص مرتبطين برئيس النظام المخلوع، على خلفية تورطهم بجرائم ضد الإنسانية، ودعمهم لاستهداف المدنيين، بالإضافة إلى تمويل الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، استكمالاً لجهود الاتحاد في دعم سوريا في تحقيق العدالة الانتقالية، وعدم الإفلات من العقاب لكل الذين تلوثت أيديهم في دم الشعب السوري.
وكان الاتحاد الأوروبي منذ بداية الثورة السورية، تبنّى موقفاً رافضاً لسياسة النظام المخلوع، وفرض عليه حزمة عقوبات مشددة طالت الأفراد والمؤسسات، وربط أي مشاركة أوروبية في إعادة الإعمار بـ”تحقيق انتقال سياسي حقيقي”، إلا أنه وبسبب افتقار الأوروبيين إلى النفوذ المباشر على الأرض، في ظل الحضور الروسي والإيراني الكبير، وكذلك الأميركي في مناطق محددة، بقي دور الاتحاد كداعم سياسي عن بعد.
وعلى مدار عمر الثورة، قدم الاتحاد الأوروبي واحداً من أكبر برامج الدعم الإنساني لسوريا، حيث خصص منذ عام 2011 أكثر من 10 مليارات يورو كمساعدات إنسانية وتنموية، وشارك في تمويل برامج التعليم والصحة والغذاء في الداخل السوري، وفي دول الجوار مثل لبنان والأردن وتركيا، إضافة لذلك استضاف سلسلة من مؤتمرات بروكسل المخصصة لدعم الشعب السوري، والتي تم من خلالها جمع تعهدات دولية سنوية لدعم اللاجئين والنازحين السوريين، وساهمت في إبقاء الملف الإنساني حاضراً على طاولة النقاش الدولي.
وكان الاتحاد على مدار الأربعة عشر عاماً الماضية، يقف إلى جانب الشعب السوري في مواجهته للنظام الاستبدادي، وعمل جاهداً لإيجاد حل سياسي، إلا أن تعنت رئيس النظام السابق، وداعميه في موسكو وطهران، حال دون الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، وقدم خلال تلك الفترة مساعدات كبرى للسوريين، مقابل فرضه عقوبات ضد نظام الأسد المخلوع.
ومنذ سقوط النظام في 8 كانون الأول 2024، وعودة تشكل التوازنات السياسية في المنطقة، برز الاتحاد الأوروبي كفاعل أساسي إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، يتعامل مع الوضع الجديد في سوريا من زاويتين، سياسية مشروطة، وإنسانية لا يمكن تجاهلها.
وفي 24 فبراير/شباط 2025 خفف الاتحاد الأوروبي عدداً من التدابير التقييدية، نظراً للوضع المستجد في سوريا، وذلك لتسهيل التواصل مع البلاد وشعبها وشركاتها، وفي 20 مايو/أيار الماضي، أكد مجلس الاتحاد الأوروبي التزامه المستمر بدعم الشعب السوري والانتقال السلمي، بإعلانه القرار السياسي برفع العقوبات الاقتصادية، مجسداً بذلك تحولاً تاريخياً نحو مساعدة سوريا في عملية انتقالها وتعافيها بعد سقوط نظام الأسد.
وقد واصل الاتحاد الأوروبي تأكيد التزامه الراسخ بالمساءلة، والذي يعود تاريخه إلى جرائم نظام الأسد، ورصد التطورات على أرض الواقع، بما في ذلك الخطوات التي اتخذتها السلطات الانتقالية في أعقاب أعمال العنف التي حصلت في بعض مناطق الساحل في آذار الماضي، كما أعرب الاتحاد الأوروبي باستمرار عن استعداده للتعاون مع الحكومة الانتقالية السورية، ودعم مستقبل سلمي وشامل خالٍ من التدخلات الأجنبية المضرة بالمسار السياسي لسوريا الجديدة.
وأدان الأوروبيون جماعة وفرادى بشدة، الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار إلياس بحي دويلعة في دمشق الأحد الماضي، والذي راح ضحيته العشرات من المدنيين العزل، مؤكدين على ضرورة تكثيف الجهود لمواجهة التهديد الإرهابي والقضاء التام على “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية.
وفي بيان له نشر على موقعه الالكتروني أعرب الاتحاد الأوروبي عن تعازيه لأسر الضحايا وعن تضامنه مع الشعب السوري، ودعمه لجميع الجهود التي تبذلها السلطات السورية لضمان أمن جميع السوريين دون تمييز.
وتعد موافقة مجلس دول الاتحاد الاثنين الماضي على استنتاجات بشأن سوريا، تأكيداً جديداً على التزام الأوروبيين بالوقوف إلى جانب الشعب السوري ودعم انتقال سلمي وشامل، للمساعدة في بناء مستقبل أفضل لجميع السوريين، ونقلت وكالة رويترز عن البيان الأوروبي الذي وزع في بروكسل قوله: ترحب الاستنتاجات بالتزام الحكومة الانتقالية ببناء سوريا جديدة قائمة على المصالحة الوطنية والمساءلة وسيادة القانون وفصل السلطات، بالإضافة إلى حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع السوريين دون تمييز، مع الحفاظ الكامل على تنوع البلاد.
كما رحبت الاستنتاجات بالبيانات السورية التي تتعهد بتطوير علاقات سلمية مع جميع الدول والاحترام الكامل للقانون الدولي، مؤكدة استعداد الاتحاد الأوروبي للتعاون مع الحكومة الانتقالية في المحافل الإقليمية ومتعددة الأطراف، وتحث في الوقت نفسه جميع الجهات الخارجية الفاعلة دون استثناء على الاحترام الكامل لوحدة سوريا واستقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها.
ويدين الاتحاد الأوروبي أي أعمال أو وجود عسكري أجنبي أحادي الجانب، وكذلك أي محاولات لتقويض استقرار سوريا وآفاق الانتقال السلمي، بما في ذلك من خلال التلاعب بالمعلومات والتدخل الأجنبي، كما يتعاون الاتحاد مع الحكومة الانتقالية والمجتمع المدني، ويعمل بشكل وثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتحقيق هذا الهدف، ويدعو المجتمع الدولي إلى تكثيف دعمه السياسي والمالي، وتسهيل التعافي الاقتصادي لسوريا.