الثورة – رنا بدري سلوم:
“هكذا تبدو البطولة بعد انتهاء المشهد، جسدٌ منهكٌ على الإسفلت، وقلبٌ حاضرٌ لمواجهة ألسنة اللهب، في عيونهم تعب، وفي وجوههم سلام، وفي مواقفهم شجاعةٌ لا تُصطنع.ما بدا تعباً، كان شرفاً ناصعاً، وما غطّاه الرماد، ظلّ في جوهره بياضاً لا ينطفئ”.
بهذه الكلمات وصف الكاتب محمد عرابي رجالات الدفاع المدني، مخاطبهم: أنتم الفخر حين يصبح الفخر فعلاً لا قولاً”، مبيناً في حديثه لـ”الثورة” أن هذا المشهد الذي نراه اليوم لا يمكن وصفه أو الكتابة عنه بسهولة، الإلهام والهاجس والفكرة تقف عاجزة أمامهم لكن عند نضوجها ستخط ما سطره هؤلاء الأبطال على خطوط النار في الوقت الذي تجد لها متنفساً أمام ما عاشته معهم من احتباس الأنفاس بالصدور.
تُقاوم النار بماء الإرادة
“الحرائق التي شبت في غابات الساحل السوري لم تكن تأكل الأشجار فحسب، بل كانت تأكل قلوب السوريين الذين لم يشبعوا من فرحة النصر وباتوا يحرسونها في مآقي العيون ويغلقون عليها مخافة أن ينغّص عليهم أحد فرحتهم بهذه المولودة الفاتنة التي أكرمهم الله بها بعد حرمان طويل ومخاض عسير- “وفقاً لما تحدث به الشاعر إبراهيم جعفر، مشيراً إلى ما قدّمه الشعب السوري الحر، قائلاً : “قدم فلذات أكباده وأغلى ما يملك في سبيل فجر جديد يقطع دابرالظلم والظلام، ولكنّها سوريا العظيمة التي ترسم ملامحها من جديد أبت إلا أن تكون كما عهدناها تجعل المستحيل ممكناً، وتقاوم الناربماء الإرادة والصبروالصمود، برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه منذ اللحظة الأولى، يجمعهم حبّ الوطن والانتماء إليه والغيرة عليه من كلّ خطر محدق ويد تحاول العبث به”.
وأكد جعفر أن فِرَق إطفاء الحرائق تدل عليها قلوبها البيضاء قبل خوذها، إضافة إلى الفرق المتطوعة من الداخل والخارج ممن يحملون الهم والهوية الإنسانية التي لا تحدها جغرافية بعينها، تفترش الطرقات ولا تعرف التعب أو الاستسلام ملبية النداء حاملة على أكتافها غيماً ينهمر قائلاً :”يا نار كوني برداً وسلاماً على سوريتنا التي تزداد اخضراراً يوماً بعد يوم رغم الحرائق التي شبت بها ولم تنل منها”.
تحليل سلوك حرائق الغابات
وضعنا رئيس القطاع الزراعي في التجمع الوطني السوري، الباحث الأكاديمي في الشؤون الزراعية والبيئية الدكتورالمهندس سامرعثمان أمام الحقيقة العلمية لحرائق “قسطل معاف” في ريف اللاذقية الشمالي، مبيناً أنه وبتحليل أولي، وجود دلائل قوية تُضعف الفرضية التي تقول: إن الحريق ناجم عن أسباب طبيعية بحتة، وتدفع باتجاه احتمال تورط عوامل بشرية، خصوصاً في مرحلة الاشتعال الأولى.
يستند تقييم الدكتورعثمان إلى دراسة علمية ميدانية قام بإجرائها قبل أكثر من اثنين وعشرين عاماً، كجزء من مشروعه للتخرج من قسم هندسة الغابات والبيئة، وقد تمّ اختيارمنطقة قسطل معاف تحديداً كنموذج تطبيقي لتحليل سلوك حرائق الغابات المتوسطية المختلطة.
وأشار إلى أنه قد خلصت الدراسة حينها إلى أن اندلاع الحرائق في هذا النوع من النُظم البيئية يتطلب توافر مجموعة من الشروط المناخيّة والبيئية، في مقدّمتها مرورفترة لا تقل عن أربعة أشهر متواصلة من الجفاف والانحباس الحراري، حتى تصل المنطقة إلى ما يُعرف علمياً بـ”مؤشر الخطورة الحرج” (Critical Fire Danger Index) الذي يُمكّن الحرائق من الانتشار الذاتي والواسع النطاق.
وفي ضوء المعطيات المناخية الراهنة، يؤكد عثمان: لا يمكن تصنيف الظروف الحالية ضمن فئة الخطر الحرج، سواء من حيث درجة الحرارة أو الرطوبة النسبية أو مدة الجفاف.
ولذلك، فإن اشتعال الحريق بهذه الشدة وفي هذا التوقيت، بعيداً عن الذروة الحرارية المعتادة، لا يمكن تفسيره إلا بوجود تدخل بشري مباشر أو غير مباشر.
استجابة سريعة وتحقيق عادل
كما أن “تفاقم أزمة الحرائق ارتبطت بشكل واضح بضعف منظومة التدخل والاستجابة السريعة، إذ لوحظ غياب شبه تام للمروحيات المخصصة للإطفاء الجوي، إلى جانب النقص الكبير في التجهيزات الفنية المتخصصة، وغياب التنسيق التشغيلي السريع، ويُعزى جزء من هذا القصور- وفقاً لعثمان- إلى استبعاد عدد كبير من الكوادر ذات الكفاءة والخبرة العلمية المتخصصة في مكافحة حرائق الغابات خلال الأشهر الماضية، لأسباب لا تتعلق بالكفاءة المهنية، مما أدى إلى فراغ مؤسسي في إدارة هذا النوع من الكوارث”.
استناداً إلى ما سبق، يطالب الدكتورعثمان وبالحاجة الملحة إلى فتح تحقيقات علمية وتقنية مستقلة للوقوف على الأسباب الحقيقية وراء هذا الحريق، مع إعادة تقييم شاملة لخطط الوقاية من حرائق الغابات في المنطقة، ووضع إطارعملي لتأهيل وتفعيل فرق استجابة تعتمد على المعرفة البيئية المحلية والخبرة العلمية المتخصصة”.
ثقافة تفرض نفسها
احترق قرابة “5600” هكتار في اللاذقية، وما زالت مشتعلة رغم الجهود الجبارة بين مؤسسات ومجتمع أهلي الذي أثبت وعيه الكامل بثقافة تفرض نفسها، وهي التطوّع والغيرية والإيثار في كل المحافظات السورية من دون استثناء، وسنلقي الضوء على سبيل الذكر وليس الحصر مبادرة “أغيثوا الساحل السوري”، أعلنت تحت هذا الشعار جمعية “شمس الأمل الخيريّة” عن إطلاق حملة تبرّعات إنسانية في جميع المحافظات السورية وفي الخارج لمصلحة المناطق المنكوبة في الساحل بسبب الحرائق المشتعلة، معلنة الجمعيّة أنها تُستقبل التبرّعات يومياً على مدار السّاعة.