الثورة – إيمان زرزور:
في كارثة بيئية متفاقمة، تواصل الحرائق المندلعة في غابات ريف اللاذقية منذ أكثر من أسبوع التهام المساحات الخضراء وتدمير الحياة البرية في واحدة من أغنى مناطق سوريا بالتنوع الحيوي، وبينما تُركّز الجهود الرسمية على إخماد النيران التي طالت آلاف الهكتارات، تسجّل التقارير الميدانية مشاهد مأساوية لنفوق واسع في أوساط الحيوانات البرية، وسط تحذيرات من انهيار بيئي طويل الأمد.
تشير إفادات من ناشطين بيئيين وعاملين في قطاع الزراعة إلى نفوق أعداد كبيرة من الغزلان الجبلية، والخنازير البرية، والثعالب، والقنافذ، وأنواع من الطيور الجارحة مثل الصقور والبوم والباشق، التي لم تجد سبيلاً للهروب من ألسنة اللهب السريعة في مناطق كجبل الفرنلق وجبل التركمان.
كما شوهدت جثث محروقة لزواحف نادرة مثل السلاحف البرية وبعض الأفاعي المحلية، إلى جانب اختفاء شبه كامل لطيور الغابات كالدراج والقبّرة والبلبل، التي تعدّ من المؤشرات الحيوية لسلامة النظام البيئي.
أوضح خبراء في البيئة، أن “حرائق بهذا الحجم لا تدمّر فقط الأشجار، بل تقضي على السلسلة الغذائية بأكملها، وتُخرج مئات الأنواع من الحيوانات من بيئتها الطبيعية، مما يؤدي إلى خلل عميق في التوازن البيئي يصعب ترميمه خلال سنوات”.
وأوضحت أن الغابات المحترقة كانت موطناً لعدد من الأنواع المهددة بالانقراض، والتي لم تكن موجودة إلا في هذه المنطقة، ما يجعل من الحرائق الأخيرة “ضربة قاسية للتنوع الحيوي في سوريا”.
ومع اشتداد النيران في مناطق مثل الربيعة وصلنفة وكسب، رُصدت حالات هروب جماعي لحيوانات برية باتجاه القرى والبلدات القريبة، حيث ظهرت أعداد من الخنازير والثعالب والذئاب في محيط المزارع، ما أثار حالة من الذعر لدى السكان، ودفع البعض إلى إطلاق النار عليها، الأمر الذي فاقم من خسائر الحياة البرية.
في موازاة ذلك، أكدت تقارير من متطوعين ميدانيين أن مئات أعشاش الطيور قد دُمّرت بالكامل، في موسم التفقيس والتكاثر، مما يعني فقدان أجيال كاملة من الطيور التي تسهم في استقرار النظام البيئي من خلال التغذية على الحشرات، ونقل البذور، والتوازن الطبيعي مع الكائنات الأخرى.
وفي السياق، دعت منظمات محلية معنية بالبيئة والحياة البرية إلى إجراء تقييم بيئي شامل لما خلّفته الحرائق، وتوثيق الأضرار التي طالت الحياة البرية، تمهيداً لإطلاق برامج دعم وإنقاذ للأنواع المتضررة. كما طالبت هذه المنظمات بتدخل المنظمات الدولية المختصة مثل “الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة” و”برنامج الأمم المتحدة للبيئة” للمساهمة في إنقاذ ما تبقى من الغطاء الحيوي.
ويحذر الخبراء من أن التأخير في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحياة البرية سيؤدي إلى تبعات طويلة الأمد، لا سيما أن الغابات المحترقة كانت تشكل الملاذ الأخير للحيوانات التي فرت سابقاً من مناطق الحرب والتمدّد العمراني في أنحاء البلاد الأخرى.