الانتماء والتجذر.. بحث في جغرافية الروح والهوية

الثورة – رانيا حكمت صقر:

في زمنٍ تتصاعد فيه وتيرة العولمة، وتتسارع حركة البشر عبر الحدود، وتتغير ملامح المجتمعات بوتيرة مذهلة، تطفو على السطح أسئلة جوهرية حول “الهوية، والانتماء والتجذر”.. ليست هذه مجرد مفردات عابرة، بل هي حاجة إنسانية عميقة، تشبه حاجة الشجرة إلى تربةٍ تمدها بالغذاء والثبات لمواجهة رياح التغيير.

أما عن تجليات الانتماء والتجذر في الأدب والثقافة لطالما كانت هذه الثنائية محوراً أساسياً للإبداع الإنساني.. فالأدب كمرآة للهوية، الرواية والشعر هما سجلا التجارب الإنسانية في البحث عن الجذور.

في الأدب العربي الحديث، يبرز شعر محمود درويش كمثال صارخ على التعبير عن انتماءٍ مهدد وتجذرٍ في الأرض المغتصبة، قصائده مثل “بطاقة هوية” و”أنا من هناك” هي أناشيد للانتماء الفلسطيني المتحدي للشتات.

يقول درويش: “وطني ليس حقيبةً، وأنا لست مسافراً.. أنا ابن الأرض، ابن الأرض، ابن الأرض”، ديوان “أثر الفراشة”.

أيضاً الرواية “استكشاف الاغتراب”، كثيراً ما تعالج الروايات صراع المهاجر أو المنفي بين انتمائه الأصلي وواقعه الجديد، رواية الطيب صالح “موسم الهجرة إلى الشمال” تطرح أسئلة عميقة عن الهوية والانتماء في مواجهة الاستعمار والاختلاف الثقافي، رواية “الطريق” للروائي النيجيري تشينوا أتشيبي تصور الصراع بين القيم التقليدية المتجذرة والقوى الاستعمارية الحديثة، هذه الأعمال تكشف عن جراح الانقطاع عن الجذور وصعوبة بناء انتماء جديد.

أيضاً الفن التشكيلي والموسيقا له دور، إذ تعبر اللوحات التي تصور المناظر الطبيعية المألوفة، أو الألحان والأغاني التراثية، عن حنين وتواصل مع الجذور، الفن الشعبي بكل أشكاله هو تعبير حي عن الانتماء الثقافي المتجذر في مكان وزمان محددين.

كما يواجه التجذر والانتماء تحديات في العصر الحديث بمفهومه التقليدي، مثل الهجرة القسرية واللجوء، ملايين البشر يُجبرون على ترك جذورهم بسبب الحروب والاضطهاد والفقر، مما يخلق أزمات هوية عميقة وصعوبة في بناء انتماء جديد في مجتمعات قد تستقبلهم ولكن لا تستوعبهم كلياً.

وفي زمن العولمة والثقافة الرقمية تذوب الحدود الثقافية جزئياً، وتتشكل هويات هجينة، بينما يوسع الفضاء الافتراضي دائرة الانتماءات “انتماءات إلى مجتمعات افتراضية، قضايا عالمية” إلا أنه قد يضعف الشعور بالتجذر في المكان والجماعة المحلية الملموسة، عالم الاجتماع زيجمونت باومان يتحدث عن “الحداثة السائلة”، إذ تصبح الهويات والانتماءات أكثر سيولة وتغيراً وأقل ثباتاً، “باومان”، الحداثة السائلة.

من جهة أخرى يشعر كثيرون داخل مجتمعاتهم نفسها بالاغتراب وعدم الانتماء بسبب التمييز العرقي أو الطبقي أو الديني أو السياسي. في النهاية.. الانتماء والتجذر ليسا حبيسي الماضي أو الجغرافيا الثابتة، التجذر الحقيقي قد يكون تجذراً في القيم الإنسانية المشتركة، في الالتزام بالعدل والحرية والكرامة، قد يكون التجذر في الأرض، أو في اللغة، أو في التراث، أو في فكرة إنسانية سامية.

الفيلسوف الفرنسي سيمون فايل، في كتابها العميق “الحاجة إلى الجذور” (L’Enracinement)، ترى أن التجذر هو “ربما الحاجة الأكثر أهمية وغير المعترف بها للروح البشرية”.. إنه الأساس الذي يسمح للإنسان بالنمو والإبداع والمشاركة الفاعلة في العالم.

يبقى البحث عن الانتماء والتجذر رحلة إنسانية مستمرة، رحلة لتحديد موقعنا على خريطة الوجود، ولإيجاد ذلك المكان المادي أو المعنوي الذي ننتمي إليه بشكلٍ أصيل، والذي يمنح حياتنا معنى واتجاهاً، إنه بناء مستمر للهوية في حوار دائم بين الذاكرة والطموح، بين الماضي والمستقبل، بين الجذور والأجنحة.

آخر الأخبار
الحكومة تواصل تقوية علاقاتها الدبلوماسية عربياً ودولياً للنهوض بالبلاد الأخلاق.. بوصلة القيم في زمن الضجيج الإعلامي واشنطن تدعو دمشق إلى محاسبة مرتكبي الانتهاكات في السويداء "أريحا أحلى بهمة أهلها": مبادرة مجتمعية لتحسين الواقع الخدمي والبيئي إيراداتها وصلت إلى 210 مليارات ليرة في 6 أشهر.."عدرا الصناعية".. ديناميكية الإنتاج وصعود الاستثمارات عودة الدولة إلى السويداء..خيار النجاة لوحدة الوطن بدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني في جامعة دمشق "الشعوري التصنيفي".. الإنسان كون في ذاته اجتماع ثلاثي في عمّان يبحث جهود التهدئة في السويداء والتزام بوحدة سوريا التكنولوجيا الطبية.. رافعة لإعادة بناء النظام الصحي السوري المبعوث الأميركي يدعو إلى تغليب لغة الحوار والسلام في سوريا دعم وترحيب دولي لاتفاق وقف إطلاق النار في السويداء وتحذيرات من انهيار التهدئة "وقت الوحدة هو الآن".. باراك يبحث مع عبدي خطوات الاندماج في الدولة السورية طريف وحزب جنبلاط يدعوان لتثبيت وقف إطلاق النار في السويداء بعد هزة قرار "الاقتصاد" الأخير.. أسعار السيارات تشهد مرحلة جديدة بين التجار والحكومة ارتفاع إيجارات السكن بين واقع المواطن وعدم تدخّل الحكومات خدمات إغاثية وصحية لمهجري السويداء في مراكز إيواء درعا   مراجعة لضريبة البيوع العقارية.. عبد الكريم إدريس لـ"الثورة" : تُخفّض الإيجارات   سوريا قوية بوحدة شعبها ومتانة علاقاتها الإقليمية والدولية تأهيل دوار أبو فراس الحمداني في حلب