الثورة – سمر حمامة:
في ظل الظروف المعقدة التي مرّت بها سوريا خلال السنوات الأخيرة، لم تعد الحرب تقتصر على الرصاص والمعارك، بل تعدّتها إلى حرب من نوع آخر أشد خطورة وأبعد أثراً، إنها حرب الشائعات والمعلومات الكاذبة. فقد تحولت الشائعات إلى سلاح فعّال يستخدمه البعض للنيل من استقرار البلد وبث الفتنة بين أبنائه، وذلك عبر أدوات إعلامية مضللة، ومنصات تواصل اجتماعي تملؤها الحسابات الوهمية التي تتغذى على التضليل وتضخيم الأحداث ونقل الأخبار مجهولة المصدر.
تسعى الشائعات في سوريا إلى خلق واقع موازٍ، يعجّ بالخوف والفتن الطائفية والأكاذيب التي لا أساس لها، وتُغلف هذه الأكاذيب غالباً بصيغة “وردنا الآن” أو “مصادر موثوقة”، ما يدفع البعض لتصديقها من دون تحرٍّ أو تحقق، خاصة مع سرعة تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد ساعدت الحسابات المجهولة على مواقع مثل: فيسبوك وتلغرام وتويتر في تضخيم هذه الأخبار، وتقديمها وكأنها وقائع مؤكدة، بينما في الحقيقة تكون مفبركة تماماً أو محوّرة ومجتزأة من سياقها الأصلي.
الشائعات لا تقتصر على قضايا سياسية أو أمنية، بل تمتد لتطول حياة الناس اليومية، وتؤثر في قراراتهم، وتُربك المشهد العام وتخلق حالة من الهلع المجتمعي، ويتجلّى ذلك في عدة أمثلة حقيقية وقعت مؤخراً، وأثارت جدلاً واسعاً بين المواطنين، قبل أن يتبيّن أنها مجرد أكاذيب مفبركة بهدف بث الرعب وزرع بذور الفتنة بين السوريين.
أم غسان – من سكان حي التضامن، دمشق، تروي تجربتها بمرارة وتقول: “كنت جالسة في منزلي حين اتصلت بي أختي من محافظة أخرى وهي مرعوبة، تسألني إن كنا قد بدأنا نغادر بيوتنا، لأنها قرأت على مواقع التواصل أن هناك منشورات تُوزع في حي التضامن تطالب السكان بالإخلاء الفوري.. أصابني الذهول! لم يحدث أي شيء من هذا على الإطلاق، لا منشورات، ولا تهديدات، ولا حتى وجود أمني مختلف عن العادة، كل ما في الأمر أن حساباً وهمياً نشر إشاعة خطيرة هدفها زرع الخوف، وقد تناقلها الناس دون تحقق.
“ومن ضاحية الشام، ريف دمشق، يروي يزن الشاب الجامعي، حادثة أخرى ويقول: في أحد الأيام استيقظنا على منشورات تقول: إن هناك من يتعرض للضرب فقط بسبب انتمائه الطائفي، وإن الوضع في ضاحية الشام متوتر جداً.
وكوني مقيماً هناك، لم ألحظ أي شيء من هذا القبيل.. بل على العكس، التعامل بين الجيران من مختلف الأطياف كان في غاية الاحترام والتقدير، لم يحدث أي اعتداء أو خلاف، لكن الإشاعة انتشرت بسرعة بين الناس، وكأنها حقيقة مطلقة، وهذا يعكس خطورة الأمر، حين تُستخدم الطائفية كسلاح نفسي في بث الكراهية والتفرقة.
“علي موظف، من سكان دمشق، يسرد واقعة انتشرت في الأيام الماضية حين رأى منشوراً يقول: إن مبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين قد سقط بأيدي عناصر مسلحة مناوئة للحكومة، وإن السيطرة الكاملة خرجت من يد الدولة، صُدمت من هذا الخبر، خاصة أنني كنت في ذلك الوقت أمرّ بسيارتي مع عائلتي من قرب المبنى نفسه، ولم يكن هناك أي شيء غير اعتيادي، لا إطلاق نار ولا مسلحون ولا حتى توتر في المكان، مجرد إشاعة انتشرت لترويع الناس وتشويه صورة مؤسسات الدولة.
“سمر طالبة جامعية، أكدت كيف وصلتها رسالة على هاتفها من رقم غير معروف، يحذرها من الذهاب إلى الجامعة في اليوم التالي، بسبب تهديد أمني خطير، بدأت الرسالة تنتشر في مجموعات الواتساب، وسادت حالة من الخوف بين الطالبات، ليتبيّن لاحقاً أن مصدر الرسالة هو حساب وهمي على تليغرام، يكرر إرسال تهديدات وهمية للطلاب.
“إنّ ما نعيشه اليوم من تسارع في نقل المعلومات يجعلنا عرضة أكثر من أي وقت مضى للتضليل والشائعات، خصوصاً عندما يكون الهدف منها زعزعة استقرار الوطن والتأثير على السلم المجتمعي.
الشائعة ليست مجرد خبر عابر، بل أداة خطيرة قد تُحدث انقساماً، وتدفع البعض لتصرّفات غير محسوبة.. لهذا، تقع علينا جميعاً مسؤولية التحقق من صحة المعلومات قبل مشاركتها، وعدم الانجرار خلف العناوين العاطفية أو الأخبار التي تصدر عن حسابات مجهولة، كما يجب تعزيز الوعي الإعلامي لدى فئات المجتمع كافة، خاصّةً الشباب، لحمايتهم من الوقوع في فخ الأكاذيب الممنهجة.