الثورة – وعد ديب:
تُعدّ حرائق الغابات في سوريا من أخطر التحديات البيئية التي تتكرر سنوياً، وتزداد حدّتها في ظلّ التغيرات المناخية المتسارعة وموجات الجفاف التي تضرب البلاد.
لكن ما يجعل هذه الظاهرة أكثر تفاقماً هو تداخل العوامل الطبيعية بالعوامل البشرية، وعلى رأسها: الإهمال المؤسسي المتراكم لعقود، وعدم وجود إستراتيجية وطنية لحماية الغابات.
فمن المعروف أن النظام المخلوع لم يُعِر البيئة أيّ أهمية، وأهمل تماماً تطوير البنية التحتية للوقاية من الحرائق، سواء من حيث شقّ ممرات عازلة للنيران، أم إنشاء مراكز إطفاء مُجهَّزة في المناطق الجبلية، وحتى توفير كوادر مُدرَّبة ومُؤهَّلة.
كما أن غياب الرقابة أدّى إلى انتشار ممارسات خطيرة كحرق الأعشاب والأشجارلأغراض الزراعة أو التوسُّع العمراني، وسط غياب شبه كامل للمحاسبة.
تحديات كبيرة
الخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور يحيى السيد عمر، وفي تصريح خاص لـ”الثورة” قال: إن التعامل مع هذه المشكلة يُواجه تحديات كبيرة، ليس فقط على المستوى البيئي، بل أيضاً على المستوى الاقتصادي، فالغابات المحترقة تعني فقدان آلاف الهكتارات من الموارد الطبيعية التي كانت تُشكّل مصدراً للدخل، كما تؤدي إلى تدهور التربة الزراعية، وزيادة خطر الانجرافات والتصحر.
هذا التدهور- بحسب السيد عمر، ينعكس مباشرة على سُبل عيش السكان في المناطق الريفية، ويدفع بالكثير منهم إلى الهجرة نحو المدن، مما يزيد من الضغط السكاني والبنية التحتية الحضرية.
كما أن الدولة تتحمَّل تكاليف باهظة في عمليات الإطفاء، وإعادة التشجير، وإصلاح البنية البيئية المتضررة، فضلاً عن فقدان الثقة مِن قِبَل المستثمرين في قطاعات الزراعة والسياحة البيئية.
ورداً على سؤالنا عن كيفية معالجة هذه الظاهرة الخطيرة، قال: المعالجة لا يمكن أن تتم من خلال حلول جزئية أو مؤقتة، بل تتطلب خطّة وطنية شاملة تبدأ بتحديث أنظمة الرصد والإنذار المبكر، وتطوير البنية التحتية للإطفاء، وتدريب الكوادر المحلية، وتشجيع المجتمعات على المساهمة في حماية الغابات.
ويجب أيضاً سنّ قوانين صارمة تردع المتسببين بحرائق الغابات، سواء عن قصد أو عن إهمال، إضافة إلى إطلاق حملات توعية موسمية تَستهدف المزارعين والطلاب وسكان المناطق الجبلية.
الاستفادة من تجارب الدول
وبيّن مدى أهمية الاستفادة من تجارب الدول التي واجهت تحديات مماثلة، مثل تركيا واليونان وكندا، إذ استخدمت هذه الدول تقنيات حديثة في التنبؤ بالحرائق، واعتمدت على طائرات متخصصة وأنظمة ذكاء اصطناعي لرصد الخطر، ويمكن لسوريا أن تطلب دعماً دولياً في هذا المجال، سواء من خلال برامج بيئية تابعة للأمم المتحدة، أم عبر التعاون الثنائي مع الدول الصديقة التي تمتلك خبرة ومعدّات يمكن أن تقدّمها على شكل مِنَح أو قروض ميسرة.
كما أن وضع ملف البيئة ضمن أولويات إعادة الإعمار والتعافي المستقبلي سيُعزّز فرص الحصول على تمويل دولي مخصص لمشاريع حماية الغابات والتشجير ومكافحة التصحر.
رؤية بيئية
في المحصلة، وبرأي، الخبير في الشؤون الاقتصادية، فإنّ سوريا الجديدة لا يمكن أن تُبنَى من دون رؤية بيئية حديثة تضع الأمن المناخي في مقدّمة أولوياتها، وتتعامل مع الغابات كأصول وطنية لا يجوز إهمالها أو المتاجرة بها، بل يجب حمايتها وتطويرها باعتبارها ركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار البيئي والاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل.