الثورة – رنا بدري سلوم:
رحل توفيق شيا جسداً، لكنه باق بمخيلة كل من رأى طائراته الورقية أو سمع عنها، ٢٠٠ نموذج لطائرات من مختلف الأشكال والأنواع، لم تكن طائرات ورقية وحسب، بل رسائل محبة، كتب عليها جداريات محمود درويش، ولوحات ناجي العلي، وكل ما تبوح به روحه من شعر ونثر.
كان حراً حد التمرد، يعيش فوضى الفن بتفاصيلها الإبداعية، ومع كل هذه الدعوة للحياة خلال مسيرته الفنية، راح ضحية أحداث العنف والاشتباكات الدامية التي شهدتها محافظة السويداء خلال الأيام الماضية.
شيا كان محباً للورق قارئاً نهماً للجرائد، كان مصمماً محترفاً حد الوله، حتى أنه ترك بصمة لا مثيل لها في العمل الفني ضمن مشاريع مختلفة، بين النحت والتصميم الفني والتراثي، والمهرجانات الفنية داخل سوريا وخارجها تشهد على إبداعه.
“طيارة الورق” التي صنعها شيا من مادة النايلون المقاومة للمياه وعيدان القصب الخفيفة التي تساعد طائرته على الطيران، وخيوط النايلون المقاومة للقطع، وكل نماذجه من الطائرات نفذت بتمويله، وكانت بداية طريقه الاستثنائي من روحه النقيّة وخياله الخصب.
وقد ذكر محبوه والذين نعوه بحرقة على صفحات تواصلهم الاجتماعي، أيام ترحيبه بالسيدة فيروز عندما قدمت للمشاركة في “دمشق” عاصمة الثقافة العربية، بتطيير طائرة ورقية فوق دار الأوبرا تحمل صورة الفنانة وبعض أغانيها، كذلك الأمر مع قصائد الشاعر “محمود درويش” لمناسبة أربعينه، وفي عام 2004 أوكلت إليه مهمة بناء منجنيق “صلاح الدين الأيوبي”، من قبل شركة فرنسية، لعرضه في قلعة صلاح الدين، وفي معرض “إيقونوكلاست” صمّم مجموعة من النراجيل.
بقي شيا مفتوناً بالكراسي، سكنت لوحاته وتصاميمه، وقد نفذ “شيا” مؤخراً براكة كبيرة من الخشب صنعها بنفسه في باحة منزله الحجري المتوارث.
المقولة التي اشتهر بها توفيق شيا والتي تدل على حنكته وإبداعه ومرونته في المواقف الصعبة، في إحدى حواراته قال: “في عام 1992 دعيت للمشاركة في معرض “سانت تتيان” بفرنسا وعندما وصلت المطار لم أكن أملك إلا مئة دولار، ولكن كنت واثقاً من قدرتي على استلهام الحلول، فقمت بابتكار تحفة شرقية “نرجيلة” بالاستفادة من شاشة تلفاز وبقايا قنبلة يدوية لأبيعها للمتحف”.