العلاقات السورية الروسية بعد سقوط الأسد.. ثبات المصالح وتحولات النفوذ
مثّل سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 لحظة مفصلية في تاريخ العلاقات السورية الروسية، التي شكّلت لعقود واحدة من أكثر تحالفات موسكو الاستراتيجية ثباتاً في الشرق الأوسط، إلا أن التحولات السياسية والأمنية التي أعقبت هذا السقوط طرحت تساؤلات عميقة حول مستقبل هذا التحالف، ومدى قدرة الطرفين على الحفاظ عليه أو إعادة تشكيله بما يتلاءم مع الوقائع الجديدة على الأرض.
إرث التحالف: من الدعم العسكري إلى التغلغل الاقتصادي
لكن سقوط الأسد مثّل نقطة انكسار لهذا النسق، وفرض على الكرملين إعادة تقييم تموضعه في سوريا، في ظل المتغيرات السياسية وتشكّل مؤسسات انتقالية جديدة تسعى للانفتاح على المجتمع الدولي وتقليص التبعية للقوى التي ارتبطت بالنظام السابق.
الثبات الاستراتيجي: قاعدة حميميم وموقع المتوسط
تستند هذه المقاربة إلى إدراك القيادة السورية الجديدة أن إخراج روسيا عسكرياً بشكل متسرّع قد يخلق فراغاً تستغله قوى إقليمية أخرى، أو يؤسس لمرحلة اضطرابات جديدة، خصوصاً في مناطق الساحل التي تحتضن القواعد الروسية.
الفتور السياسي وتبدل مراكز القرارعلى الصعيد السياسي، برز خلال عام 2025 تراجع واضح في تأثير موسكو على القرارات السيادية السورية، مقارنة بالسنوات السابقة. ويعود ذلك إلى عدة عوامل، أهمها “تحول المزاج الشعبي” إذ تُحمّل قطاعات واسعة من السوريين روسيا المسؤولية عن دعم نظام الأسد وقمع الثورة، وهو ما دفع السلطات الجديدة إلى تحجيم مظاهر النفوذ الروسي في الإعلام والثقافة والسياسة.
كذلك “صعود بدائل دولية” مع انفتاح الحكومة السورية على الغرب ومؤسسات الأمم المتحدة، وعودة العلاقات مع دول الخليج وتركيا، فقدت روسيا موقعها الحصري في رسم مستقبل سوريا، وأصبحت طرفاً بين أطراف متعددة، لا اللاعب الوحيد، علاوة عن “انشغال موسكو بأزماتها الداخلية والخارجية” سواء في أوكرانيا أو القوقاز أو آسيا الوسطى، وهو ما حدّ من قدرتها على الاستثمار السياسي والدبلوماسي في سوريا بعد 2024.
الملف الاقتصادي: مراجعة الصفقات المشبوهة
وفي حين دعت دمشق موسكو إلى إعادة التفاوض على هذه العقود ضمن أطر قانونية واضحة، عبّرت دوائر روسية عن امتعاضها من هذه الخطوة، محذّرة من المساس بـ”المكتسبات الاستراتيجية”. إلا أن استمرار التعاون في بعض المجالات، لا سيما الدفاع والغاز، يدل على رغبة الطرفين في تجاوز الأزمة عبر تسويات تحفظ ماء الوجه وتراعي المصالح المشتركة.
ما بعد الأسد: تحالف المصالح أم قطيعة تاريخية؟
أهمية زيارة وزير الخارجية الشيباني إلى موسكو تجسيدًا لهذا التحوّل الاستراتيجي، يجري وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني زيارة رسمية إلى موسكو اليوم، وهي الزيارة التي حملت رمزية كبيرة لمسار جديد في العلاقة بين البلدين، ففي مقابل الدعوة التي وجهها لافروف، جاءت مشاركة الشيباني لتعلن أن دمشق لا ترفض التعاون مع موسكو، بل تسعى إلى بناء شراكات تقوم على الاحترام المتبادل لسيادة سوريا أولاً، وليس على الإملاءات أو الارتباطات الأيديولوجية السابقة.
وهذه الزيارة تُعد نقطة تحول واضحة في إطار إعادة الصياغة الدبلوماسية للعلاقة، حيث جرى التوافق على مراجعة الاتفاقات القديمة، وإطلاق حوارات تقنية بشأن ملفات الطاقة والتجارة والإعمار، وهو ما يشكل مؤشراً إلى حالة نضوج سياسي جديد يتحكم في العلاقة المستقبلية.13:12