الممكن والمأمول أمام التحديات السورية الراهنة

فادي كحلوس – كاتب سوري:

 

إن الأحداث المؤسفة التي مرت وتمرُّ بها سوريا اليوم، شكّلت وتشكّل تحديات كبيرة أمام وحدتها وسلامة أراضيها واستقرار أمنها، وهي بالتالي تشكل عوائق حقيقية أمام نجاحنا في العبور بسوريا من مرحلتها الانتقالية المؤقتة الحالية إلى بر المرحلة الدائمة، الدستورية، الآمنة والمستقرة والمزدهرة.

خلال تعامل الدولة السورية مع تلك التحديات، وخاصة فيما يتعلق بأحداث الساحل في آذار الماضي، وأحداث السويداء الأخيرة، ارتكبت بعض الجماعات وبعض الأفراد من المنضوين في صفوف مؤسستي الدفاع والأمن، وبعض المدنيين المنتسبين لجماعات خارجة عن القانون، انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهو ما أدى إلى نتائج عكسية لما كانت تعدُّ له الدولة وتطمح إليه في هاتين المنطقتين، كما باقي أراضي الدولة السورية من استقرار وسلم وتعافٍ وتنمية.

فأثر تلك الانتهاكات، المرفوضة والمدانة، أوقع سوريا في مآزق داخلية وخارجية، كما دفعها أيضاً لتصبح عُرضة للابتزاز من قبل أعدائها، فازدحام التحديات الداخلية والخارجية التي واجهتها الدولة السورية وتواجهها اليوم، رغم تعقُّدها وصعوبتها، إلا أن ذلك لا يجب أن يمنع تنبهها إلى خطورة آثار تلك الأحداث وأهمية وأولوية وضرورة سرعة المباشرة الفورية في اتخاذ خطوات جذرية لحلها، وهذا ما من شأنه استكمال بناء سوريا بعقلية الدولة لا بعقلية الفصائل كما سبق وأكدت السلطة الجديدة في دمشق. وهذا أيضاً ما ينسجم ورؤيتها للدولة السورية الجديدة، دولة لكل السوريين، دولة المواطنة والحق والقانون، لا دولة الطوائف والميليشيات والاعتداءات.

إن خطورة تأجيل هذه المشكلة أو تجاهلها، سيؤدي حتماً إلى استفحالها ووصولها إلى مستوى، سيعجز السوريون جميعاً عن تدارك كوارثها، كأن نصل إلى حرب أهلية، أو تقسيم، أو غير ذلك من سيناريوهات سوداوية، وإن كانت الفترة منذ سقوط نظام الأسد المجرم إلى اليوم هي فترة قصيرة، وعصيبة، إلا أنها فترة كافية، باعتقادي، لتقييم ما زرعته الدولة وما حصدته خلالها، ولتقييم ما يجب عليها زراعته لحصاده مستقبلاً، وهي فترة كافية أيضاً للتمييز بين ما أنجزته الدولة وما حققته من جهة، وبين ما وقعت فيه من أخطاء غير مقصودة وخطورتها من جهة ثانية.

على ضوء ما سبق ذكره، فإن ما يتعيّن على الدولة السورية فعله، يكمن في إصدار السلطة الجديدة لبعض القرارات والإجراءات التي إن لم تنجح في حل تلك المسائل فإنها ولا شك ستشكل أرضية ثابتة لحلها وعدم تكرارها، نذكر منها: محاسبة جميع المنتهكين الخارجين عن بنود وروحية مدونة السلوك التي سبق وأصدرتها وزارة الدفاع، من المنضوين في مؤسستي الجيش والأمن، والذين ظهروا بشكل واضح خلال ممارساتهم لتلك الانتهاكات، محاسبة فورية، قانونية وعلنية.

كما يجب تشكيل لجان مستقلة من خبراء سوريين وعرب لملاحقة المتهمين بممارسة تلك الانتهاكات، والذين لم تظهر وجوههم أو لم يُعرفوا من قبل التسجيلات المصورة الموجودة، وأيضاً محاكمة كل من سيقع منهم بيد العدالة فور التثبت من تورطه، وبشكل فوري، وقانوني، وعادل.

بالإضافة إلى تشكيل لجان خاصة لملاحقة المتهمين بارتكاب اعتداءات من عناصر مؤسستي الدفاع والأمن بحق أي مواطن/ة سوري/ة، في كل بقعة من أرض سوريا، وتشكيل لجان لملاحقة المتهمين بممارسة انتهاكات لحقوق الإنسان خلال الفترة السابقة من قبل جميع مرتكبيها مِمّن هم خارج مؤسستي الدفاع والأمن (المدنيين المسلحين الذين ارتكبوا انتهاكات بحق عناصر من الجيش السوري والأمن العام وبحق مدنيين آخرين) ومحاكمتهم ومعاقبة المتورطين.

والعمل، وبالسرعة القصوى، على تشكيل لجنة قوامها من السياسيين والحقوقيين والقانونيين السوريين المشهود لهم بوطنيتهم وخبرتهم، للإعداد لمؤتمر حوار سوري عام وحقيقي يضمن أوسع مشاركة وتمثيل لجميع السوريين فيه، ويأخذ وقته الكافي، والذي قد يمتد لأشهر أو لسنة أو سنتين، واحتكام السلطة الجديدة لمقرراته على اعتبارها تمثل رأي الشارع السوري ومصالحه وخارطة طريق لتهيئة سوريا للخروج من المرحلة الانتقالية والتي حددتها الدولة بخمس سنوات.

كما يجب وفور تشكّل مجلس الشعب، أن يكون موضوع استصدار قانون للأحزاب، هو الموضوع الأول الذي سيعمل عليه هذا المجلس، فقد لمسنا جميعاً الآثار السلبية، بل الكارثية، لغياب السياسيين والأحزاب السياسية الوطنية، وغياب دورها في زيادة تمثيل الشارع السوري وانخراطها مع الدولة ومشاركتها في مواجهة التحديات التي تعصف بسوريا.

وإنه لمن الضروري أن تقوم كل من مؤسستي الدفاع والأمن بإزالة كل المعوقات التي تقف في وجه أي سوري يريد الانضمام إلى صفوفها، وأن تقوم باستدراك كل الأخطاء التي نتجت عنها الانتهاكات السابقة لضمان عدم تكرارها، حتى إن استدعى ذلك إعادة هيكلة المؤسستين من جديد.

إن إعطاء الدولة أولوية تفعيل موضوع الشفافية والتواصل مع الشارع السوري هو أمر مُلحّ، حول كل ما يهمه معرفته عن سياسة الدولة والإشكاليات والتحديات التي تواجهها عن طريق تعيين متحدثين رسميين عن الوزارات والمؤسسات السورية كافة، وأن أولى مهامهم إخبار وشرح ما تواجهه الدولة وما تنوي عمله وما تنجزه، وعلى جميع المستويات. سبق وتحدث السيد الرئيس أحمد الشرع عن نية الدولة في محاربة الفقر والتخلف، وها هي سوريا اليوم تسير في بداية هذا الطريق، وما الاستثمارات التي وقّعت عليها، وخطط إعادة الإعمار التي تعدّها ورفع الرواتب وغير ذلك الكثير، إلا بوابة للبناء وتأمين فرص العمل، وهذا ما سيساهم في تحقيق مستوى معيشي أفضل وسيعزز من الاستقرار الداخلي.

فالفقر وضعف البنى التحتية والخدمية هما عاملان أساسيان لما نشهده اليوم من إشكاليات. أما محاربة التخلف، فلها أهميتها الكبيرة أيضاً، فنقيض التخلف هو التقدم، والتقدم لا يُقاس بالتطور العمراني والتقدم العلمي والتكنولوجي والاقتصادي وحسب، بل يُقاس، أولاً، بالتقدم الاجتماعي والثقافي، ويتجلى هذا في امتلاكنا لقيم ولمبادئ ولسلوكيات تعكس تقبّلنا لبعضنا وللمختلف، وفي احترامنا لبعضنا بعضاً، وثقتنا ببعضنا بعضاً، وفي إدراكنا أن مصلحتنا، نحن السوريين، هي بسوريتنا جميعاً.

وهذا يتطلب منّا، نحن السوريين جميعاً رفض خطاب الكراهية وتجنبه، والابتعاد عن التخوين والتحيزات الضيقة. وهذا يتطلب من الدولة السورية أن تصدر خلال الفترة القريبة القادمة قوانين من شأنها تفعيل دور المجتمع المدني ودعمه، وتشجيعه على المبادرة تجاه ما يراه سدّاً لثغرة لم تتنبه لها، أو حلاً لمشكلة، تحديداتها وتعيناتها تقع في صلب المجتمع السوري. وهذا يستدعي من جميع السوريين دعم بناء الدولة، وعدم التنازل عن الهوية الوطنية السورية، والانتماء الدائم لها، مهما ضاقت بنا الظروف ومهما تعرضت له سوريا من تحديات. فنحن اليوم في مرحلة انتقالية، وتركة النظام البائد ثقيلة، واحتياجات الواقع السوري هائلة ومعقدة، وجميعنا، سلطة ومجتمعاً، أهل لكل تلك التحديات والاحتياجات، ولنصبر ونعمل ونجتهد ونصيب.

إن ما سعينا إليه خلال ثورتنا ونضالنا في سبيل الحرية والكرامة، وما قدمناه من دماء وتضحيات وآلام، هو ما علينا أن نستكمل سعينا لتحقيقه وإنجازه على أتم وجه، وليس العكس، بأن نزيد الشروخ شرخاً، ونزيد الاحتقان احتقاناً، وألا نتحول من مبادرين لطرح الحلول إلى مجيّشين وحاشدين لما يمثل خطراً وجودياً علينا جميعاً نحن السوريين. وعلينا ألا نسمح لأحد أن يسرق أهدافنا وحقوقنا وأحلامنا، وألا نتسامح مع كل من يعكر صفو استقرارنا وازدهارنا. فبوعينا وتعقّلنا، بوطنيتنا وأخلاقنا، سنغدو جميعاً، سلطةً ومجتمعاً، شركاء في تحقيق ما نبتغيه من تعافٍ وعدالة واستقرارٍ وتنمية ومستقبل كريم لنا كلنا نحن السوريين.

آخر الأخبار
بعد يوم حافل باللقاءات .. الشيباني يبحث مع لاندوا آفاق تطوير العلاقات السورية الأمريكية     حلب تتحرك لإصلاح أهم طرقها الحيوية ب 10 ملايين دولار   تشكل محطةً فارقةً في مسار العلاقات .. الشيباني يصل إلى واشنطن في زيارة رسمية وصول أول باخرة تحمل 50 ألف طن من الأرز قادمة من الصين.  بدعم أردني – أميركي.. الخارجية تعلن خريطة طريق شاملة لإعادة الاستقرار إلى السويداء  "نحو إنتاج زراعي اقتصادي".. في ورشة عمل بحمص  زيارة ميدانية ودعم لاتحاد الشرطة الرياضي  سوق المدينة يعود إلى " ضهرة عواد " بحلب  "وجهتك الأكاديمية" في جامعة اللاذقية.. حضور طلابي لافت وفد سعودي في محافظة دمشق لبحث فرص الاستثمار بتخفيضات تصل إلى 50 بالمئة.. افتتاح معرض "العودة إلى المدارس " باللاذقية أردوغان: ملتزمون بدعم وحدة واستقرار سوريا  الذهب يواصل ارتفاعه محلياً وعالمياً والأونصة تسجل 42.550 مليون ليرة سوريا: مستعدون للتعاون مع "الطاقة الذرية" لمعالجة الملفات العالقة التأمين الصحي.. وعود على الورق ومعاناة على الأرض "تجارة ريف دمشق" تبحث مع شركة تركية توفير الأدوية البيطرية   قرار ينصف المكتتبين على مشاريع الإسكان مراقبون تموينيون جدد .. قريباً إلى الأسواق  جاليتنا في "ميشيغن" تبحث مع نائب أميركي الآثار الإنسانية للعقوبات  "الشيباني والصفدي وباراك" يعلِنون من دمشق خطة شاملة لإنهاء أزمة السويداء