يقال: إن المأساة الحقيقية للوعي تكمن ببعض المفاهيم المغلوطة، والتي تروّج بأن كل فكرة جديدة هي خيانة للأفكار القديمة، وأن كل طريق مختلف هو تضحية بطريق آخر كان مألوفاً، وهو ما يؤدي إلى نشوب الخلافات وتأجيج الصراعات، وأن رفض الاختلاف والتباين يعدّان حالة صحية، بالطبع حسب الزعم الدارج.
أصحاب تلك العقائد يتناسون أن كل خطوة نحو الفهم واتساع الأفق، هي انتقال نحو المعرفة وأبعد من الحياة التي نعرفها، لأن لا شيء يبقى على حاله سوى ما أنزله الله في كتبه، وما تبقى يخضع للظروف، وتتغير أحكامه باختلاف الزمان والمكان، وهو ما أكده الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال حين قال: إن الحقيقة قبل جبال البرينيه خطأ ما بعدها، اي أن ما يراه البعض صحيحاً ينظر إليه الآخرون على أنه خرافة متهالكة، رغم تقديرنا لقناعاتهم، وهنا يبدو احترام الاختلاف ضرورياً وقبوله طبيعياً لأنه حالة صحية، أما وأن يصرَّ البعض على عدم قبول الآخر وإقصائه فهنا تكمن المشكلة، طبعاً شرط أن يكون ذلك الاختلاف منطقياً، ولا يتعارض مع القوانين الوضعية والتشريعات الإلهية والمبادئ والقيم الإنسانية، وكما قال الروائي الروسي فيودور دستويفسكي: لا أحد يصل إلى الحكمة دون أن يتفكّك، ودون أن يشعر أنّ عقله أُعيد تشكيله بالتجربة، والأخيرة لا تأتي سوى بالمقارنة ووجود الاختلاف، لكونه تباين طبيعي في وجهات النظر أو الآراء حول أي موضوع مهما كان، وليس الخلاف الذي يأخذ منحى سلبياً، ويشير إلى نزاع أو حتى عداء بين الأطراف المتعارضة.

السابق