نتراشق الكلمات والصفات جزافاً، نتنابز بالألقاب بئس الاسم الفسوق، نتهم بعضنا البعض، بذبح الوطن، دون التعلم من دروس الماضي أن السياسة رمال متحركة، لن يثبت عليها أحد منا.. ويبقى الوطن.
ولعلنا نتعلم “فن الممكن” التي يندرج تحت عنوانه السياسة بعظمة شأنها، وبتواضع وجودها حتى بخبزنا اليومي،
نصل معها إلى حد الجدال والنزال، ونغلق باب الاحتمال المفتوح على شتى السبل، نسينا أنه لا أبدية مطلقة، كل ما حولنا قابل للتغيير والتجديد، وانتصار الثورة خير دليل، بأن الإرادة الحرة ستنتصر وأن الأخلاق بفضائل وجودها تخلق نفسها بنفسها لتكون، وكل ما عدا ذلك إلى زوال.. الحقد الكراهية والانطواء.
يقول أرسطو في كتابه “الأخلاق”، إن “فن الممكن” يتعلق بتحقيق الخير “السعادة” من خلال أفعالنا الفاضلة في الظروف المعيشية، يؤكد على أهمية العقل العملي في توجيه الأفعال وتحقيق الأهداف.
بينما “هيغل” يرى أن “فن الممكن” هو تجسيد للروح المطلق في التاريخ الذي يتطور من خلال تحقيق الأهداف في ظل الظروف الواقعية، وأن كل مرحلة تاريخية تمثل “فن الممكن” في زمانها ومكانها.
إذاً “فن الممكن” يعني القدرة على تحقيق أقصى ما هو ممكن في ظل الظروف الحرجة، مع الأخذ بعين الاعتبار القيود والموارد المتاحة، إنه ليس مجرد قبول بالواقع، بل هو فن استغلال الفرص لتحقيق أهداف معينة، فيركز على الواقعية، أي فهم العلاقات وعمقها، فبدلاً من التمسك بالمثالية، يبحث “فن الممكن” عن الطرق التي يمكن من خلالها تحقيق تقدم، حتى لو كان محدوداً ضمن الإمكانيات، فيبتعد عن الأحلام والأهداف غير القابلة للتحقيق، وقد يتطلب “فن الممكن” القدرة على التكيف مع التحديات والظروف المتغيرة.
تعالوا لنتعلم “فن الممكن” فن الموازنة بين الطموح والواقعية، ونبحث معاً عن أفضل النتائج الممكنة في ظل الظروف الراهنة، ونخلق مع حروبنا النفسية هدنة مؤقتة، ونحذف من قاموسنا كلمة مستحيل ونؤكد على الممكن كفنٍ معاش وأسلوب حياة لا يقصي أحداً بل يحافظ على مساحة أمان كل منّا ويرضينا جميعاً.

التالي