الثورة – هبه علي:
أصبحت منصات التواصل الاجتماعي من مصادر المعلومات الصحية للكثيرين في زمننا هذا، فيبرز دور الأطباء الرقميين الذين يحملون على عاتقهم مهمة نشر الوعي الصحي الدقيق وسط فيض من المعلومات المضللة، تختلف دوافع وتجارب هؤلاء الأطباء، لكنهم يتشاركون في هدف واحد.. سد الفجوة بين المعرفة الطبية المعقدة، وحاجة الجمهور إلى معلومات موثوقة وبسيطة.
نحو العالم الرقمي
الدكتورة دارين عديرة- اختصاصية نسائية – بدأت رحلتها قبل عامين بدافع واضح: “نشر الوعي وتبسيط المعلومة والوصول لجمهور أوسع”.. تستقي موضوعاتها من أسئلة المرضى في عيادتها، وتحرص على تصحيح المفاهيم الخاطئة الشائعة في مجال تخصصها.
أما الدكتور حمزة أبو عمشة، اختصاصي أذن أنف حنجرة، فكانت دوافعه متنوعة بين الترويج لمهنته وتبسيط المعلومات، بدأ رحلته قبل سنة، لكنه واجه تحدياً في اختيار الموضوعات، إذ شعر أن الحديث عن الأمراض الشائعة أصبح مكرراً، فيما الموضوعات المتخصصة تحتاج إلى خبرة أعمق، وتحدث: “اختصاصي والذي يشمل أذن أنف حنجرة، الأورام، جراحة الرأس والعنق، مجال واسع ولم أسلك المجال الذي أريده لاختصاصي بعد”.
من جهتها بدأت الدكتورة رهام علي، اختصاصية نسائية تجميلية، رحلتها قبل ست سنوات بدافع شغفها العميق بمساعدة الناس، تقول: “كنت دائماً أرى أن هناك فجوة بين المعلومات الطبية المعقدة وحاجة الناس البسيطة لفهمها”.
تحديات
يواجه الأطباء على منصات التواصل الاجتماعي مجموعة متشابكة من التحديات:
تحدي الوقت.. تعاني الدكتورة عديرة من صعوبة التوفيق بين عملها في العيادة والمستشفى وإنتاج المحتوى، فيما يرى الدكتور أبو عمشة أن الوقت ليس عائقاً رئيسياً بالنسبة له وهو يركز على نشر الحالات والعمليات الجديدة نوعاً ما، أو غير المطروقة.
التعليقات السلبية.. تؤثر ردود الفعل السلبية أحياناً على استمرارية الأطباء في نشر المحتوى، كما تعترف الدكتورة عديرة، وبدورها ترى الدكتورة علي أن هذا “يتطلب الكثير من الصبر والجهد لعدم الوقوع في فخ الجدل”.
المنافسة القوية.. يشير الدكتور حمزة إلى “غزارة الأطباء وغير الأطباء الذين ينشرون معلومات صحية”، مما يزيد العبء على الطبيب ليكون محتواه مميزاً وجذاباً.
القيود الأخلاقية..
تلتزم الدكتورة علي بعدم تقديم تشخيصات عن بعد، وتؤكد أن “كل حالة طبية تتطلب فحصاً دقيقاً ومراجعة شاملة”، كما تحرص على الحفاظ على سرية المرضى وخصوصيتهم.
طلبات الاستشارات الشخصية..
تواجه الدكتورة ريهام تحدياً في التعامل مع الرسائل الخاصة والاستشارات الطبية المباشرة، إذ تحاول توجيه المرضى لحجز مواعيد في العيادة بدلاً من تقديم تشخيص عبر الإنترنت، كما هو الحال بالنسبة للدكتور حمزة.
معايير المحتوى الطبي الناجح
يتفق الأطباء الثلاثة على ضرورة الالتزام بالدقة العلمية في المحتوى المقدم، وتعتمد الدكتورة دارين عديرة على “مصادر موثوقة 100بالمئة”، فيما يؤكد الدكتور حمزة أبو عمشة على أهمية الرجوع إلى آخر الدراسات والمراجع والإحصاءات المعتمدة، أما الدكتورة رهام علي فهي أيضاً تعتمد على “دراسات علمية عالمية موثقة”.
من ناحية الشكل، تفضل الدكتورة علي استخدام الفيديوهات القصيرة والبث المباشر للتفاعل مع المتابعين، فيما تقتصر الدكتورة عديرة حالياً على المحتوى الكتابي وبعض الفيديوهات البسيطة.
تأثيره على الجمهور والمهنة
يترك المحتوى الطبي الجيد أثراً إيجابياً واضحاً على الجمهور، تؤكد الدكتورة عديرة أن بعض المرضى يزورون عيادتها بسبب متابعتها على وسائل التواصل، فيما تشارك الدكتورة علي قصصاً مؤثرة عن أشخاص تغيرت حياتهم بفضل المحتوى الذي تقدمه.
من ناحية أخرى، يرى الأطباء أن السوشيال ميديا تغير نظرة الناس للمهنة الطبية، تقول الدكتورة علي: “أصبح من الممكن أن نظهر للناس ليس فقط معرفتنا الطبية، ولكن أيضاً إنسانيتنا واهتمامنا بصحتهم”.
ويرى الدكتور أبو عمشة أن وسائل التواصل يمكن أن تقدم مهنة طبية بطريقة مبهرجة ومزخرفة، بحيث يمكن أن تظهر الطبيب أفضل مما هو الحقيقية، وبالتالي من الممكن أن يكون أقل كفاءة من المحتوى الذي يقدمه والعكس صحيح”.
الحاجة إلى تنظيم المحتوى الطبي يقدم خبير التنمية الاقتصادية والاجتماعية ماهر رزق، رؤية أوسع للتحديات.. ويرى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً أساسياً من حياة البشر، فهي مصدر للمعلومة ومصدر للترفيه ومصدر للعمل.
وبطبيعة الحال لكل شيء محاذير وإيجابيات، فالإيجابيات عظيمة إذا ما أحسن استخدام هذه الوسائل بمكانها الصحيح، وبالمقابل مخاطرها قد تزيد عن فوائدها للأسف في أكثر من مجال.
ويدعو الخبير رزق إلى تدخل الجهات الرسمية مثل وزارة الصحة ونقابات الأطباء لتنظيم المحتوى الطبي على المنصات الرقمية، والتأكد من صحته وحدود المسموح بنشره، حمايةً للجمهور من المعلومات الخاطئة التي قد تؤدي إلى عواقب صحية خطيرة، وهو ما أكد عليه الأطباء الثلاثة.
مستقبل الطب في العصر الرقمي
رغم التحديات، يبدو أن وجود الأطباء على منصات التواصل الاجتماعي أصبح ضرورة لا غنى عنها، كما تقول الدكتورة علي: “كلنا نستحق أن نعيش علاقة زوجية صحية وسعيدة”، وهو شعار يعكس رغبة الأطباء في تحسين جودة الحياة من خلال المعرفة الموثوقة.
ويظل التوازن بين الاستفادة من إمكانيات المنصات الرقمية والحفاظ على الأخلاقيات المهنية تحدياً مستمراً، فالمحتوى الطبي الجيد يمكن أن يكون جسراً بين المعرفة المتخصصة وحياة الناس اليومية، ما يعزز الصحة العامة وثقافة المجتمع.