الثورة – سيرين المصطفى:
يواجه الأهالي العائدون إلى قراهم وبلداتهم في ريف إدلب الجنوبي والشرقي واقعاً صحياً قاسياً، وسط تدهور كبير في الخدمات الطبية وغياب شبه تام للعلاجات النوعية. ويعكس هذا الوضع هشاشة البنية التحتية الصحية التي خلفتها سنوات الحرب، في وقت باتت فيه أبسط حالات المرض تمثل تحدياً وجودياً للأسر التي تبحث عن الحد الأدنى من الرعاية.
قال سكان من المنطقة إن معظم القرى تخلو من مراكز طبية عاملة، ما يدفعهم إلى قطع مسافات طويلة عند حدوث طارئ صحي، سواء أكان كسراً أم نوبة تسمم أم آلاماً مفاجئة. وأشاروا إلى أن رحلة البحث عن العلاج لا تخلو من تكلفة مادية عالية، حيث تُضاف أجور النقل وتكاليف الوقود إلى فاتورة العلاج الغائب أصلاً.
تزداد معاناة الأهالي ليلاً، حيث تتحول الطرق الوعرة والمليئة بالحفر، والتي لا تزال آثار القصف واضحة عليها، إلى مصائد قاتلة تهدد حياة المرضى ومرافقيهم على حد سواء. وشبّه أحد المواطنين هذه الرحلات بأنها “مغامرة غير مضمونة النتائج”، إذ قد يفقد المريض حياته في الطريق قبل الوصول إلى وجهته.
حتى عند الوصول إلى بعض النقاط الطبية، أفاد عدد من السكان أنهم كثيراً ما يُفاجؤون بعدم توفر الكوادر أو الأدوية أو حتى أجهزة الإسعاف الأولية، ما يزيد من شعورهم بالعجز والخوف من فقدان أحبائهم في ظل هذه الظروف.
تعاني المنظومة الصحية في المنطقة من تداعيات تدمير ممنهج مارسه نظام الأسد البائد، الذي جعل المستشفيات والمراكز الطبية أهدافاً عسكرية خلال سنوات القصف، في انتهاك صارخ لقوانين النزاعات المسلحة. وقد أفضى هذا الاستهداف إلى خروج عدد كبير من المرافق عن الخدمة، وترك المجتمعات المحلية دون بنية علاجية يمكن الاعتماد عليها.
يطالب الأهالي الحكومة ووزارة الصحة بسرعة التدخل لإعادة تأهيل المنشآت الطبية المتضررة، وتوفير المستلزمات الدوائية وأجهزة التشخيص والعلاج الأساسية. كما يناشدون الجهات المعنية برفد المراكز بالكوادر المؤهلة، لضمان تقديم الحد الأدنى من الرعاية الصحية، ووقف ما وصفوه بـ”الانهيار الصامت” في القطاع الصحي.
ويؤكد السكان أن غياب الدعم الصحي في هذه المرحلة الحرجة لا يهدد فقط حياة الأفراد، بل يُقوّض فرص الاستقرار والعودة الآمنة التي لطالما انتظروها بعد سنوات من النزوح والمعاناة.