الثورة – إيمان زرزور:
عاد ملف مجزرة حي التضامن إلى الواجهة من جديد، في سياق الجهود الرسمية لمتابعة قضايا الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت إبان حكم نظام الأسد البائد، حيث عقد وزير الخارجية والمغتربين، السيد أسعد حسن الشيباني، لقاءً في دمشق مع فريق التحقيق الخاص بالمجزرة، في خطوة وصفت بأنها تعكس تحوّلاً جوهرياً في التعامل مع ملفات الانتهاكات الجسيمة.
واحدة من أبشع الجرائم الموثقة
تُعد مجزرة حي التضامن واحدة من أكثر الجرائم توثيقاً وفظاعة في تاريخ سوريا المعاصر، إذ تعود وقائعها إلى نيسان/أبريل 2013، حين نفذت عناصر تابعة لفرع المخابرات العسكرية (227) عمليات إعدام ميداني بحق ما لا يقل عن 41 مدنياً من سكان الحي جنوب العاصمة دمشق، وتم تصوير الجريمة، التي أُخفيت لسنوات، في مشهد صادم يوثّق لحظة الإعدام ورمي الجثث في حفرة أُعدت مسبقاً وإحراقها بعد ذلك.
وقد أحدثت اللقطات المسربة عام 2022، والتي نُشرت ضمن مشروع توثيقي قاده الباحثان أنصار شحادة وأوغور أوميت أونغر صدمة عالمية، وأثارت مطالب حقوقية واسعة بإجراء تحقيقات دولية ومحاسبة المتورطين، في حين اعتمدت منظمات دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” و”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” على هذه الأدلة ضمن مطالبها بملاحقة الجناة.
تأكيد رسمي على التزام الدولة بالعدالة
أكد الوزير الشيباني خلال اللقاء حرص الدولة السورية على محاسبة جميع المتورطين في الجرائم المرتكبة بحق المدنيين، وعلى رأسها مجزرة التضامن، مشدداً على التزام الحكومة بالوقوف إلى جانب ذوي الضحايا وإنصافهم قانونياً وإنسانياً، باعتبار ذلك جزءاً أساسياً من عملية بناء سوريا الجديدة.
كما أشار إلى أهمية إنشاء الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، والهيئة الوطنية للمفقودين، كأدوات مؤسسية لضمان إنصاف الضحايا، وتوفير إطار قانوني لمساءلة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت خلال السنوات الماضية.
تعاون علمي وخطوة نحو المحاسبة
ضم اللقاء البروفسور أوغور أوميت أونغر، والدكتور علي الجاسم، حيث ناقش الطرفان سبل التعاون في استكمال التحقيق، وضرورة الوصول إلى أرشيف الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق، وتسهيل عمل الخبراء الجنائيين لتحديد هوية الضحايا، وتوثيق الجرائم على أسس علمية دقيقة.
وأكد أونغر على أهمية الاستفادة من تجارب العدالة الانتقالية في دول أخرى، مشيراً إلى استعداد الفريق للمساهمة في العملية من خلال تقديم الخبرات الأكاديمية والبحثية التي تدعم مسار العدالة السورية الناشئة.
دلالة اللقاء في سياق ما بعد النظام
يحمل هذا اللقاء رمزية بالغة في ظل التغييرات التي أعقبت سقوط نظام الأسد، حيث أصبح التعامل مع الانتهاكات والجرائم الجماعية بندًا مركزيًا في أجندة الحكومة الانتقالية، ما يعكس تحوّلًا نوعيًا في مقاربة الدولة تجاه حقوق الإنسان وسيادة القانون.
كما يشير اللقاء إلى انفتاح رسمي على التعاون مع فرق تحقيق دولية وخبراء مستقلين، وبدء خطوات عملية نحو كشف الحقيقة، وفتح الأرشيف الأمني المغلق، بما يمهد الطريق أمام محاكمات شفافة وتقديم المسؤولين للعدالة، ويعزز الثقة الشعبية والدولية بمصداقية المسار القضائي في سوريا.
ورغم مرور أكثر من عقد على المجزرة، لايزال هذا الملف مفتوحاً، ويُنظر إليه بوصفه أحد الرموز الأشد تعبيراً عن منهجية القتل والتنكيل التي اتبعها نظام الأسد بحق المدنيين، وإعادة طرحه اليوم في محفل رسمي يعزز من الأمل بتحقيق عدالة تأخرت كثيرًا، لكنها باتت الآن أقرب من أي وقت مضى، ضمن سياق وطني يسعى إلى طيّ صفحة الحرب بآليات قانونية ومحاسبة جادة.