الثورة – أحمد صلال – باريس:
جمال هذا الفيلم هو أنه يعمل كجذمور، إذ إن كل شخصيّة وكل فعل ما هو إلا صدى لمصير واحد: أرض مليئة بدماء ولحم كل جثثها.
تجتاح المدينة عواصف غبارية صفراء غريبة، ناصر، الصحفي، يُغطي هذه الظاهرة لمصلحة صحيفته، ومع تزايد الأحداث الغامضة، تظهر زوجته فجر من جديد، في مواجهة رياح عاتية متزايدة الخطورة، وبينما تبدو المدينة وكأنها تغرق في الجنون، سيتعين على ناصر كشف ماض يطارده.
في أول فيلم روائي طويل لها “العواصف”، تستحضر المخرجة الفرنسية الجزائرية دانيا ريموند بوغينو الصدمات التي لا تزال الأرض الجزائرية تحملها، في قلبها رجل متحجر في ألم لا يمكن قياسه بسبب فقدان حبيبته التي قتلت بشكل مأساوي بالإرهاب.
طموح ناصر من صانعة الفيلم التي نجحت في تحديها من خلال اختيار شكلي عالي الجودة، حيث إعادة النظر في الصدمات هي في نفس الوقت نفس الطبيعة ” تغير المناخ” مثل الزمن- والتي تعطلت أيضاً بسبب حاضر متجمد وغير واضح.
الرجل المُتألم صحفي، ناجٍ من حياةٍ مُريعة، حيث يبدو أن عائلته وحدها هي التي لا تزال على قيد الحياة.
ناصر.. الذي جسّده ببراعة الممثل خالد بن عيسى، يتجول في مدينةٍ خاليةٍ من سكانها، كأورفيوس العائد وحيداً من الجحيم، الصحفي شخصيةٌ أسطوريةٌ في السينما، ليكون بطلاً معاصراً، تجسيداً للعدالة والديمقراطية.
أما في الجزائر، فالواقع أشدّ قتامة، حيث يُعاني كل صحفي، ولا يزال، من ضغوطٍ بين الرقابة والجفاف الاقتصادي والسجن، في حين لم تكن مجرد إعدامات.
شعب القصة باستمرار، كالريح التي تعصف بقوة متزايدة، يرسم المخرج أجزاءً من القصة هنا وهناك، تشترك جميعها في خيط مشترك، إنها تجتاز واقعاً مزدوجاً، الموت لم يُدفن، والألم يجب أن يهدأ.
إذا كان ناصر رجلًا ذا ندبتين، فإنه يواجه ابن أخيه، ياسين “الموهوب مهدي رمضاني”، وهو طبيب شاب يحاول، بكل الطرق، إنقاذ الأحياء، لكن موجة الموت عاتية، وبسبب شعوره بالذنب تجاه الناجين، يفتح ناصر ثغرة ويتواصل مع الموتى.
يعيش كلاهما مسار أورفيوس ويوريديس، ولكن في صورتين متطابقتين، بينما تلتقي فجر “كاميليا جوردانا” بزوجها لفترة، تنقذ حبيبته شهرزاد “شيرين بوتلة” ياسين، الذي تبتلعه هذه العاصفة الصفراء بشكل متزايد.
كل شيء معكوس في عالمنا هذا، وليس في الجزائر فقط، هذا الفيلم ليس خرافة ولا حتى مثلاً سياسياً، بل هو محاولة استرضاء، قامت بها شابة جزائرية، حملت طفولتها في أعماقها كأشباحها، لم تكد تبلغ الحادية عشرة من عمرها، حتى اضطرت لمغادرة بلدها هرباً من ويلات الحرب الأهلية المهلكة، ومنذ ذلك الحين، تواصل جمع كل تلك الشظايا الحميمة، العنيفة، المرعبة، المكتومة، كل تلك الذكريات المحطمة والمتكسرة، لتعيدها إلينا لنراها أخيراً ونودعها، في لفتة حب عظيمة، أن تروي ثم تمضي قدماً.