عطش الأرض وجفاف الأمل.. انهيار مشروع ري سهول تادف والباب كارثة تهدد آلاف الفلاحين

الثورة – جهاد اصطيف وحسن العجيلي:
بعد توقف الري، تدهورت المحاصيل الزراعية لدينا بشكل كبير، كنا نزرع أراضينا بشكل مستمر، لكن مع فقدان المياه، أصبحنا عاجزين عن الزراعة كما يجب، الكثير من فلاحي المنطقة أصبحوا يعيشون في حالة فقر شديدة.

بهذه الكلمات وصف موسى وهو أحد فلاحي منطقة تادف بمدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي حالة الفلاحين بعد توقف مشروع ري سهول “قباسين- تادف- الباب”.

انهيار شبه كامل

في ريف حلب الشمالي الشرقي، في قلب سهول تادف والباب، كان مشروع ري سهول تادف والباب يُعد واحداً من أهم المشاريع الزراعية الاستراتيجية التي أُطلقت في سوريا خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، المشروع استهدف استصلاح نحو 6700 هكتار من الأراضي الزراعية باستخدام شبكات ري حديثة، وكان الهدف منه تعزيز الإنتاج الزراعي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.

لكن بعد اندلاع الثورة في سوريا وتدمير البنية التحتية للمشروع من قبل النظام البائد، وتوقف محطات الضخ في عام 2017، انهار المشروع بشكل شبه كامل، ما أسفر عن كارثة اقتصادية واجتماعية لسكان المنطقة، والمشروع الذي كان يمثل أملاً جديداً للفلاحين في المنطقة، أصبح اليوم علامة فارقة في تاريخ الزراعة السورية التي دُمّرت بفعل الحرب.

توقف المشروع

يصف أبو أسعد، وهو من سكان المنطقة، المشروع بقوله: لم يكن يساهم فقط في تحسين محاصيلنا، بل كان أيضاً يشغل أيدي عاملة، والكثير من العائلات كانت تعتمد على العمل في الري والصيانة، فتوقف المشروع يعني أن الآلاف من العائلات فقدت مصدر رزقها، عدا عن تدهور الوضع الزراعي وتراجع إنتاجية المحاصيل أو توقفها بالكامل.

ويؤكد جاره أبو خالد، أن المشكلة الأكبر تكمن في هجرة أبناء المنطقة إلى المدن، وبالتالي هجرة الأراضي والزراعة، وخاصة أن الكثيرين كانوا يعتمدون على المشروع لري أراضيهم، ومع تزايد الجفاف خلال السنوات الأخيرة، أصبح العمل بالزراعة غير مجدٍ، فجفاف الأراضي أصبح جفافاً في الأمل بمستقبل الزراعة في المنطقة بعد توقف المشروع.

ويصف العديد من الفلاحين الوضع اليوم بأنه ” كارثة زراعية ” لا يمكن حلها بسهولة، حيث أصبحت الأراضي جافة ولا يمكن الاستفادة منها كما في السابق.

بنية تحتية ضخمة تنهار

قبل توقف المشروع في عام 2017، كان مشروع ري سهول تادف والباب يُعد من أكثر المشاريع الزراعية تطوراً في سوريا، وكان يتألف من ثلاث محطات ضخ رئيسية، وتسع منظومات ري، وثلاثة خزانات عالية، وأكثر من 229 كم من شبكات الأنابيب الحديثة، التي تعمل بنظام الضغط المنخفض والري بالرش.

وفي حديثه لـ “الثورة”، يؤكد الباحث أحمد الأحمد، المحاضر في جامعة برشلونة التقنية، أن المشروع كان أحد أهم مشاريع البنية التحتية الزراعية في ريف حلب الشرقي، وكان يهدف إلى تعزيز الاستقرار السكاني من خلال توفير فرص عمل محلية، والحد من الهجرة الريفية، بالإضافة إلى دعم التنمية الزراعية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.

لكن على الرغم من التصميم المتقدم، يؤكد الباحث أحمد أن المشروع كان يعاني منذ البداية من بعض المشكلات الفنية، مثل التذبذب في الضغوط والتدفق في أنابيب المياه، بالإضافة إلى أعطال متكررة في المضخات وممارسات غير قانونية من قبل بعض المزارعين، مثل استخدام المياه الملوثة من الصرف الزراعي.

سياسة ممنهجة

ويشير الباحث أحمد إلى أن معالم انهيار المشروع بدأت في الظهور تدريجياً مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 ، حين بدأ المشروع يتعرض لتراجع مستمر في القدرة التشغيلية، بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة، ولكن مع عام 2017، وصل المشروع إلى مرحلة التوقف الكامل بعد أن بدأ النظام المخلوع في استخدام المياه كسلاح ضد المناطق الخارجة عن سيطرته، وذلك عبر إيقاف إمدادات المياه عن مدينة الباب والقرى المحيطة بها بشكل ممنهج.

يضيف الباحث أحمد: توقف محطات الضخ كان جزءاً من سياسة ممنهجة استخدم فيها النظام المياه كأداة ضغط ضد المدنيين. هذا القرار أدى إلى تدمير القطاع الزراعي بالكامل في المنطقة، حيث جفت الأراضي التي كانت تُروى يومياً بأكثر من 100ألف متر مكعب من المياه، وهذا التوقف أدى إلى تراجع الزراعة بنسبة تجاوزت 75 بالمئة، ما أسفر عن فقدان 70 بالمئة من سكان المنطقة لمصدر دخلهم الرئيسي، وهذا دفع العديد منهم إلى النزوح نحو المدن أو البحث عن مصادر دخل جديدة.

آثار اجتماعية واقتصادية

انهيار المشروع شكّل حاجزاً كبيراً أمام عودة المهجرين إلى المنطقة-حسب الباحث أحمد- وخاصة أن غياب المياه يعني غياب مصدر الرزق وغياب الحياة الزراعية، وبالتالي يصعب على العائلات الاستقرار أو العودة إلى أراضيها.

ومع تدمير محطات الضخ وتضرر الشبكات، أصبحت إعادة تأهيل المشروع تحدّياً كبيراً يتجاوز قدرات المجالس المحلية أو الأفراد من الناحية الهندسية والمالية.ويضيف: إن منظمات دولية مثل منظمة الأغذية والزراعة FAO و صندوق إعادة إعمار سوريا SRTF قد بدأت في تمويل مشاريع ري صغيرة تهدف إلى إحياء الزراعة في شمالي سوريا، وقد أظهرت النماذج الأولية لهذه المشاريع أن توفير المياه يعد عاملاً حاسماً في تشجيع المهجرين على العودة إلى مناطقهم، شريطة أن تترافق هذه الجهود مع تحسينات في البنية التحتية والخدمات الأساسية الأخرى.

واقع حرج وتحديات هندسية

وعن واقع المشروع حالياً، يؤكد الباحث أحمد أنه قبل توقف المشروع بالكامل عام 2017 كانت محطة الضخ الأولى تعد نقطة الانطلاق الأساسية لشبكة الري في مشروع ري سهول تادف والباب، وقد صممت هذه المحطة لتعمل بقدرة تدفق تصميمي يبلغ 5167 لتراً/ ثانية، باستخدام أربع مضخات رئيسية ومضختين مساعدتين، مع إمكانية التحكم الكامل بالتشغيل إما محلياً، أو عبر النظام المركزي في محطة الضخ الثانية في قرية عران.وكان الهدف من هذا النظام المزدوج للتحكم، هو ضمان المرونة التشغيلية القصوى في حالات الأعطال أو تغيرات الضغط المفاجئة على طول الشبكة، حيث كانت كل مضخة مزودة بمقاييس ضغط إلكترونية بدقة عالية لرصد ضغط السحب “0.1 بار” وضغط الدفع “8 بار”، إضافة إلى حساسات حرارية تستخدم للإنذار المبكر من الأعطال، حيث يفصل إذا تجاوزت حرارة المحرك 100 درجة مئوية، كما ربطت المحطة بخزان عال على ارتفاع يزيد عن 64 متراً من سطح الأرض، ما تطلب تصميماً هندسياً خاصاً لتوليد ضغط كافٍ لضخ المياه عبر القنوات المرتفعة .. كما يغطي المساحة الكاملة المستهدفة، بمتوسط تدفق 4.13 لتر/ثا للهيدرنت الواحد في اتجاه واحد، أو 8.26 لتر/ ثا للهيدرنت ثنائي الاتجاه، لري ما بين 4 و10 هكتارات لكل وحدة.

ويشير الباحث أحمد إلى أن محطة الضخ الأولى خرجت عن الخدمة بشكل تدريجي، حتى توقفت كلياً بحلول عام 2017 بعد استعادة النظام المخلوع السيطرة على مرافق الضخ في المنطقة، وقد وثقت منظمات حقوقية وإعلامية هذا التوقف كجزء من سياسة ممنهجة استخدم فيها النظام المياه كأداة ضغط ضد المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته آنذاك، حيث أدى تدهور المحطة إلى شلل في شبكة التوزيع ككل، ولا سيما أن التصميم بين المحطات الثلاث متباعد، ما يجعل تعطل الأولى للمنظومة يعتمد على الضخ مدخلاً وسبباً مباشراً لتوقف الثانية والثالثة.. ويؤكد أن إعادة تأهيل هذه المحطة بشكل هندسي دقيق لإعادة إحياء المشروع ككل، يتطلب الأمر تدخلاً لتركيب الأنظمة الميكانيكية والكهربائية، واستبدال الأنابيب المتضررة، وإعادة برمجة نظام التحكم المركزي.

جهود متواصلة لإحياء المشروع

في بداية العام الحالي تحدث مدير زراعة حلب، المهندس فراس سعيد، لصحيفة محلية أن مشروع إرواء سهول الباب وتادف هو من المشاريع المهمة التي يعمل عليها، وتم التشاور مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر للكشف والتقييم لاحتياجات المشروع، وأضاف: إن هناك حاجة ماسة لتضافر جميع الجهود لإنجاز هذا المشروع الاقتصادي الذي يعتبر الأمل لحياة الفلاحين.

كما أشار السعيد إلى ضرورة تأمين الكهرباء من المحطة الحرارية والتنسيق مع المديرية العامة للموارد المائية لاستصلاح الأراضي، منوهاً بأن هناك 6500 هكتار من المساحات المروية في مناطق تعاني من ندرة المياه وخروجها عن منظومة القطاع الزراعي.وأكد أن المشروع يعتمد على تقنيات الري الحديثة، ويوفر نحو 40 نحو من مياه الري، ما يجعله مشروعاً مؤتمتاً، بالإضافة إلى حماية الأراضي من التملح والمساعدة في رفع مستوى المياه الجوفية.

أمل لمستقبل الفلاحين

إن إعادة الحياة لمشروع ري سهول تادف والباب، تمثل فرصة حيوية لاستعادة الاستقرار الزراعي في المنطقة، وتحقيق العودة المستدامة للمهجرين. وبينما تواجه هذه المبادرة العديد من التحديات الكبيرة من الناحية الهندسية والمالية، يبقى الأمل قائماً في أنَّ تضافر الجهود المحلية والدولية، سيمكّن من استعادة هذا المشروع الحيوي، وإذا تمكنت تلك الجهات من إحياء المشروع، فإن ذلك سيسهم بشكل كبير في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ريف حلب الشرقي، ويعيد الأمل لآلاف العائلات التي كانت تعتمد على هذا المشروع كمصدر رزق رئيسي.

آخر الأخبار
بدء قبول طلبات الاعتراض على نتائج شهادة التعليم الأساسي وقف استيراد الفروج المجمد.. مدير الدواجن يدعو لمراقبة السوق تعزيز العلاقات التجارية مع مجلس الأعمال السوري- الأميركي وزير المالية يطمئن.. الخبير عمر الحاج لـ"الثورة": تنشيط قطاع الكهرباء يحتاج تكاليف كبيرة إعادة تأهيل ست آبار.. وإزالة تعديات على خطوط المياه بدرعا مطاعم المزة.. نكهات باهظة في مدينة تتعافى ببطء بداية تعاف ونقطة قوة تسجل للحكومة.. جمعة حجازي لـ "الثورة": تحويل المحافظات المهمشة اقتصادياً لمراكز... "أمية" ينفض الغبار بانطلاقة جديدة.. مصطفى خطاب: نراهن على الجودة والسعر معاً ارتفاع الأسعار يودي بزيادة الرواتب في مهب الريح موازنة العام 2026.. رؤية مختلفة عن سابقاتها التمديد الحكمي في عقود الإيجار.. الأكثر أثارة للجدل مشروع القاضي طارق برنجكجي يعيد التوازن التشريعي مشاريع تركيب وصيانة لتعزيز موثوقية الكهرباء بريف دمشق قرية اليعقوبية تحيي طقوس عيد القديسة آنا بريف إدلب قرار جديد يضع التمريض على مسار مهني صارم ويحمي حق المريض وسوريا محكومة بالوحدة والتعايش السلمي بعيداً عن مشاريع التقسيم محطات تنقية وتعاون إقليمي في الأفق.. شراكة استراتيجية لتحسين الواقع المائي خدمات طبية متنوعة يقدمها مستشفى جبلة الوطني المشاريع الاستثمارية رافعة تنموية للاقتصاد المحلي في اللاذقية صناعيو حلب : الصناعة على شفير الانهيار ما لم تُتخذ إجراءات حكومية سريعة من الشوارع إلى الورش السرية.. الوجه الآخر للاقتصاد