ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
قد لا تكفي إشارة الرئيس أوباما الصريحة إلى دور بعض المشيخات في تأجيج الوضع الليبي بما تتضمنه من انتقاد علني للسياسة الخليجية، لإعادة النظر في المقاربة الأميركية مما يجري في المنطقة،
لكنها إذا ما ارتبطت بسياق ماسبقها من تصريحات فإنها تراكم على الأقل ما يمكن اعتباره مؤشراً أولياً أو انزياحاً موضعياً في الخطاب.
من الواضح أننا على مدى عقود خلَت لم نسمع في الخطاب الأميركي ما يشير إلى انتقاد أميركي علني لدور المشيخات، وربما لم تكن واشنطن تحتاج العلنية في ذلك لأن الخليجيين اعتادوا على تنفيذ حرفي للسياسة الأميركية، أو كانت توجهه في الغرف المغلقة وعبر أمر عمليات يومي.. أو حسب الحاجة.
والسؤال المنطقي.. هل من تغيير في المعادلة..؟ ولماذا جاهرت أميركا وعلى لسان الرئيس أوباما شخصياً في توجيه هذا الانتقاد وما سبقه وما قد يليه لاحقاً ؟!!
في الإجابة المتاحة والممكنة أننا أمام مزاج سياسي أميركي مختلف، تبدو فيه المعايير الفعلية تحت ضغط معادلات ناشئة بحكم المتغيّرات في المشهد الإقليمي وأمام مراجعة لا تخفيها الإدارة الأميركية ولا تنفيها أصلاً وإن لم تؤكدها حتى اللحظة، يقابلها على الضفة الأخرى أداء خليجي لم يعد يطابق المسطرة الأميركية، أو أنه ليس بمقدوره مجاراة سياستها والتعرجات التي اقتضتها، وبات عاجزاً عن الاستجابة لمتطلبات الأطماع الأميركية.
في الحالين.. نحن أمام تباين واضح في المقاربة الأميركية وهي تنسحب على الموقف من سياسة حزب العدالة والتنمية في تركيا وأردوغان شخصياً، إذ يصعب على أي متابع أن يتجاهل دلالة الموقف الأميركي، باعتبار المجازر بحق الأرمن بمثابة جريمة إبادة، وهي القضية المنظورة أمام السياسة الأميركية منذ عقود، ولم تبتّ بها إلا في التوقيت ذاته الذي يتردد فيه صدى الانتقادات الأميركية للأداء الخليجي.
من الصعب التعويل على تلك التصريحات للحديث عن تغيير جوهري، والأصعب أن يذهب أحد باتجاه البناء عليها للاستنتاج أبعد، لكنها قد تكون المقدمة الضرورية لتأكيد ما سرّبته القراءات الصحفية الأميركية عن رغبة البيت الأبيض في تعديل مساحة الاحداثيات السياسية التي تحكم مسار الأصبع الأميركية على الخرائط والجغرافيا في المنطقة، وقد تكون أيضاً قصفاً تمهيدياً لمؤشرات لاحقة يتم الحديث عنها في الأروقة الأميركية الجانبية على نطاق واسع، رغم ما يطفو من ارتباك في تحقيق المواءمة بين الحاجة والاعتياد.
بين أميركا العلنية وتلك السرية التي اعتدنا عليها على مدى عقود هيمنتها أو ما اصطُلح عليه أميركياً الغرف المغلقة والأقبية السرية، ثمة مساحة من التباين والاختلاف، وربما التعارض الحاد، غير أنها على ما يبدو تحاول أن تقلّص تلك المسافة أو على الأقل أن تحدّ من اتساعها، وفي أضعف الإيمان أن تعيد النظر بمدى حضورها في الخطاب الأميركي العلني.
فالمعضلة التي واجهت على الدوام السياسة الأميركية حيال المنطقة في عقودها الماضية أنها استمرأت أن تُظهر غير ما تُبطن وأن تُعلن غير ما تُقرر، وهي غالباً ترجّح كفّة ما لا تُعلنه، وفي بعض الأحيان أن تقوله مواربة، وفي مرات أخرى عبر الترميز السياسي، وهي معضلة لا يمكن أن تحلّها بعض المواقف أو التصريحات إن لم تقترن بممارسات على الأرض وترجمة لها في سياق التعاطي الأميركي مع النتائج على الأقل.
فالنيّات وحدها لا تكفي، والتمنيّات لا تغيّر في الوقائع على الأرض ولا تُبدّل في السياسة، من دون أن توازيها بالقدر ذاته جدية في قنوات العمل الدبلوماسي العلني منه والسري، كي تصبح أميركا بنسختها العلنية مقروءة من عناوينها ولا حاجة إلى الغوص في شياطين تفاصيلها!!!
المحسوم أن الدور الخليجي التأجيجي لا يقتصر على ليبيا، بل ينسحب على كل المنطقة، وإذا كانت الرسائل الأميركية ليست وليدة فراغ، ولو جاءت متأخرة، أو لم تأت بجديد وتحدثت بما يعرفه العالم أجمع، فإن ما سيبنى عليها أيضاً لن يكون من فراغ أو عفو الخاطر بقدر ما يعكس فائضاً من التذمر الأميركي لن يطول به المقام حتى يعمم غربياً.
a.ka667@yahoo.com