الثورة – لميس علي:
“أوهام نتشاركها جميعاً تصبح حقيقة”..وفي موضع آخر يقول “إيريك فروم”: “معظم الناس مقتنعون.. أن قراراتهم هي قراراتهم.. لكن هذا هو أحد الأوهام الكبرى التي لدينا عن أنفسنا.. لقد نجحنا في إقناع أنفسنا بأننا نحن نصنع القرار، فيما نحن في الحقيقة نتطابق مع توقعات الآخرين مساقين بالخوف من العزلة وبتهديدات مباشرة أكثر إزاءً لحياتنا وحريتنا وراحتنا”..يبدو أننا نقوم ببناء واقعنا عبر قناعات مشتركة، حتى لو لم تكن قائمة على واقع موضوعي..فثمة “سلاسل خارجية وُضعت داخل الإنسان.. وهو يحملها مع وهم أنه حرّ”.
فهل يعي الإنسان أنه يحيا ضمن دوائر من وهم..؟ ربما كان هو من يخلق أوهاماً من دون وعي..والسؤال المربك.. بين الحقائق والأوهام كيف تتجلى حياتنا ويومياتنا وحتى علاقاتنا..؟

من نكون في ظلّ كلّ هذا..؟ غالباً.. لا نملك آليات للفرز والفصل الدقيق والواضح بين ما هو حقيقي وما هو وهمي.. وربما كنا نخاف ونخشى مواجهة كشف الحقائق.. ولهذا نلوذ من دون وعي، إلى العيش في الأوهام، مثل: وهم الحب، وهم النجاح، وهم السعادة، وهم الصداقة والعلاقات والصّلات التي نظن أنها جزء مهمٌ من كينونة أي منا.. فالإنسان المتطور والمتكامل بحسب “فروم” “ليس من يملك الكثير بل من يكوّن الكثير”.. لأن القيمة الإنسانية الحقيقية والأصيلة لا تُقاس بالملكية والامتلاك، بل بالكينونة “being” وبالتالي ثمة فرق جوهري بين “أن تمتلك، to have” وبين “أن تكون، to be” بالضبط هو الفرق ذاته بين الغِنى الداخلي النفسي، والغنى الظاهري المادي.. إذاً “الامتلاء الروحي” هو من يحدّد قيمة الأشياء وأهميتها.. وليس “الفراغ الداخلي” وما يوازيه من امتلاك خارجي ملموس.
ولهذا قد نساير حضور بعض تلك الأوهام في حياتنا.. لأنها ليست جزءاً أصيلاً من كينونتنا.. وندرك ذلك ونستمر في اللعبة..وأحياناً.. نحن من يصنع أوهاماً/ قصصاً نعيشها.. كما لو أنها نوع من الارتداد غير المباشر، لاكتشاف أصالة الحقيقي.. في كل مرة نجرب فيها أحد تلك الأوهام المتناثرة حولنا. هذا التواتر هو هويتنا.. فلسنا كائنات الحقيقة فقط، ولسنا كائنات الوهم فقط. لكن الوهم المراد هنا، ليس الآتي من زيف الآخرين والخارج.. بل الذي نتقصّد صناعته أحياناً كثيرة. هل الحياة لعبة توازن بين وهم وحقيقة..؟
فالوهم يعطينا حلم “المعنى” لنكمل.. والحقيقة تعطينا وضوحاً لنصحح.. هكذا نستمر بطريقة أكثر وعياً بذواتنا وبمن هم حولنا وبما هو كائن حولنا.