الثورة – عبير علي:
في قلب معرض دمشق الدولي، وتحديداً في جناح الاتحاد العام للحرفيين، يقف شيخ الكار ضياء الدين بركات، ليكون رمزاً للتميز والإبداع في الحرف التقليدية، “على مدار ثلاثين عاماً، تخصصت في حرفة الرسم النباتي على الخشب، مُضيفاً لمستي الشخصية إلى فن العجمي العريق”، بهذه الكلمات بدأ بركات، المسؤول التعاوني في الجمعية الحرفية للمنتجات الشرقية والفنية بدمشق، وعضو هيئة شعبة المهن التراثية بغرفة سياحة ريف دمشق، حديثه لصحيفة الثورة.
تفتحت موهبته في هذه الحرفة بفضل تعليمه على يد أفضل الحرفيين على مر السنين، ثم انطلق لاستكشاف أساليب جديدة تعكس إبداعه الخاص، من خلال تطوير تقنيات جديدة وإدخال ألوان مبتكرة، تمكن من منح بُعدٍ عصري لفن القيشاني على الخشب.
ويشير بركات إلى أن هذا الفن يعود إلى العصر الأموي، وبلغ ذروته في فترة الخلافة العثمانية، إذ قدم فنانون عالميون بصماتهم في الشام.
يعكس فن العجمي براعة الفنانين الدمشقيين الذين استلهموا أساليب الزخرفة والتذهيب من الرواد، ما أضفى على الأعمال طابعاً مميزاً، قد انتشر هذا الفن الرائع في عدة بلدان، بما في ذلك الشام، وإسطنبول، ومصر، ويُعرض اليوم في متاحف عالمية مثل متحف الصيدلة في البرتغال، ومتحف نيويورك، إذ يمكن للزوار الاستمتاع بأعمال فن العجمي الدمشقي.
يمثل فن العجمي رسومات نباتية منحوتة بعجينة بارزة على الأخشاب المحلية، والتي تُلوَّن بألوان ترابية وتُذهَّب لتعطي رُونقاً لا يُضاهى.
وكغيره من الحرف التقليدية، يتطلب تنفيذ هذا الفن أكثر من عشر مراحل للوصول إلى القطعة النهائية ذات المظهر البديع الذي يجسد التراث الثقافي العريق.
يقول:”إنها رحلة طويلة تتطلب الصبر والتفاني، ولكن النتيجة دائماً تستحق الجهد المبذول”.
تجديد فن العجمي الدمشقي
في عصرنا الحديث، شهد فن العجمي الدمشقي تغييرات ملحوظة، إذ تطور نوع الخشب المستخدم في تنفيذ الديكورات، فضلاً عن استخدام ألوان حديثة مثل الأكريليك، ومواد أخرى متوفرة في السوق المحلية..
“كل فنان أصبح يمتلك طابعه الخاص، سواء من حيث الزخارف أو الألوان، ما يميزه عن غيره من الفنانين”.
ومع ذلك، يوضح بركات أن هناك لبساً في مفهوم “الدهان الدمشقي”، الذي يُعد خطأً فادحاً، فالدهان الدمشقي استخدمه بعض الدهانين لرسم رسومات بسيطة وزخارف مباشرة على الجدران، من دون بروز بالزخارف ودون استخدام الديكور الخشبي، وهذا الفهم يفتقر إلى القراءة التاريخية لفن العجمي، الذي يمتاز بدقته وجماليته.
مشاركة مميزة وبصمة استثنائية
وبخصوص مشاركته في الدورة الثانية والستين من معرض دمشق الدولي لعام 2025، يعتبر بركات أن هذه الدورة هي الأولى بعد التحرير، يقول: “ما شجعني هو أن نُظهر للعالم أن في هذا البلد فنّانين وحرفيين قادرين على إحياء حضارتهم مجدداً، ورفع اسم بلدهم عالياً ليصل إلى عنان السماء”.
لقد ترك بركات بصمته في العديد من الدول في الشرق والغرب، ولكنه يعتبر أن هذا المعرض سيكون استثنائياً، ويضيف: “الكثير من الحرفيين الذين تم تهميشهم سابقاً ستجد أعمالهم النور هنا، ما يشير إلى الإقبال الكبير على المشاركات”.
تضمنت أعماله نماذج لما قام بتطويره في فن العجمي، بالإضافة إلى تصميمات من فن القيشاني على الخشب، والتي نفذها بدعم من شركة للصناعات الخزفية.
وتُمثل هذه الأعمال أطقم سفرة راقية تعكس جمال هذا الفن الفريد وتبرز دقته وجماليته.
ويختم بركات بتفاؤل، قائلاً: “أرجو من الله تعالى أن يوفقنا في نجاح هذه الفعالية الكبيرة، وأن نكون حجر الزاوية في صرح بلدنا الحبيب سوريا”، مع إصرار على مواصلة الإبداع والحفاظ على التراث الثقافي.