الثورة – إيمان زرزور:
خلّفت الحرب الطويلة في سوريا دماراً واسعاً في البنية التحتية، وكان من أبرز نتائجها تراكم النفايات المنزلية والصناعية والطبية في المناطق المدمرة نتيجة توقف خدمات الجمع والنقل والنظافة، هذه الأزمة لم تعد مجرد مشكلة بيئية، بل تحولت إلى تهديد مباشر للصحة العامة، خصوصاً للأطفال وكبار السن الأكثر هشاشة أمام الأمراض.
تبرز أهمية إدارة النفايات في الحد من انتشار الأوبئة التي تجذبها الحشرات والقوارض، والحفاظ على البيئة من التلوث الناجم عن تسرب النفايات الكيميائية والطبية إلى التربة والمياه، فضلاً عن دورها في تحسين جودة الحياة داخل المناطق السكنية وحماية كرامة السكان وتعزيز الروابط المجتمعية.
لكن التحديات ما تزال كبيرة، إذ دُمرت مكبات النفايات ومحطات المعالجة، وتراجعت الموارد المالية واللوجستية اللازمة لتأمين سيارات جمع وفرق مدربة، كما أدى النزوح الداخلي والخارجي إلى صعوبة تنظيم حملات منتظمة للتخلص من المخلفات، وتفاقم الوضع مع غياب الوعي الصحي لدى الكثير من الأهالي، ما زاد من مخاطر التلوث وانتشار الأمراض.
انعكست هذه الأوضاع على الصحة العامة بانتشار أمراض معدية مثل: الملاريا والدوسنتاريا والإسهال الحاد وحمى التيفوئيد، وظهور مشكلات تنفسية بسبب حرق النفايات والروائح الكريهة، إلى جانب حالات تسمم كيميائي نتيجة تسرب النفايات الصناعية والطبية في التربة والمياه، كما تسببت البيئة الملوثة بآثار نفسية سلبية أبرزها القلق والتوتر بين السكان، خصوصاً الأطفال الذين يفتقدون بيئة صحية آمنة.
ورغم هذه التحديات، أطلقت بعض المنظمات غير الحكومية مبادرات محدودة، شملت حملات تنظيف في المخيمات، وتزويد الأهالي بحاويات وتدريب بسيط على فرز النفايات، فيما استعانت بعض المناطق بفرق تطوعية لجمع المخلفات ونقلها إلى مكبات مؤقتة خارج التجمعات السكنية، إلا أن هذه الجهود تبقى غير كافية أمام حجم الأزمة.
ولتجاوز هذه الكارثة البيئية والصحية، يقترح خبراء محليون ودوليون جملة من الإجراءات العاجلة، تبدأ بإعادة تفعيل خدمات الجمع والنقل في المناطق الأكثر كثافة سكانية، وإنشاء مكبات مؤقتة آمنة بعيداً عن التجمعات السكنية، وإطلاق برامج لفرز النفايات العضوية عن الطبية والكيميائية.
كما تبرز الحاجة إلى تنظيم حملات توعية مجتمعية لتعزيز ثقافة التعامل الآمن مع المخلفات، والتعاون مع المنظمات الإنسانية لتوفير المعدات الأساسية، إلى جانب الاستثمار على المدى الطويل في إعادة بناء محطات المعالجة وإدخال تقنيات لإعادة التدوير.