الثورة – تحقيق سعاد زاهر:
ربما عَبَرْنا آلاف المرات من أمام تلك الفنادق، من دون أن نتخيل طبيعة حياة وتفاصيل يوميات الذين أقاموا فيها من مختلف أنحاء العالم.
كنا نمر الى أشغالنا بسرعة، يسرقنا الزمن بإيقاع سريع، يلتهم وقتنا، من دون أن ننتبه الى تفاصيل مغايرة لمدينتنا الأثيرة دمشق.
حين قمت بزيارة للتعرف على وقائع سياحية مختلفة تعيشها فنادق “4 نجوم” اخترت ثلاثة منها، من أعرق الفنادق الواقعة وسط دمشق للتعرف على واقعها الحالي، وهي التي تعيش صخباً من نوع مختلف.. هل تمكنت من التحول إلى أكثر من مجرد أماكن للإقامة؟
خصوصية
حين تدخل إليها وترى الازدحام تشعر أنها فضاءات حية تتفاعل مع المدينة ونزلائها، تعكس فلسفة الضيافة، وتختبر إدارة الموارد والموظفين والتحديات اليومية التي تتجاوز الجغرافيا إلى العمق الاجتماعي والاقتصادي.
فيها يمكن للسائح أن يختبر دمشق بمعايشة فندقية متكاملة، بعيداً عن ضوضاء الشوارع، لكنها جزء من تجربة المدينة نفسها.
أجرينا لقاءات مفصلة مع ثلاثة من أبرز أصحاب ومديري هذه الفنادق، لنكشف الخصوصية الحقيقية لفنادق الأربع نجوم وسط دمشق، وهي التي تمثل خياراً مثالياً لرجال الأعمال والسياح الباحثين عن الراحة مع مراعاة التكلفة.
هذه الفنادق تتميز بموقعها الاستراتيجي في وسط المدينة، قرب الأسواق والمرافق الحيوية، ما يجعل الإقامة فيها عملية وسلسة مقارنة بفنادق الخمس نجوم التي تركز على البذخ والترف.
الجودة والسعر
بالنسبة للزائر، توفر هذه الفنادق توازناً بين جودة الخدمات وأسعار معقولة، مع التركيز على مستوى خدمة محترف وطواقم مدربة تلبي احتياجات النزلاء بعناية.
الموقع في قلب المدينة ليس مجرد ميزة جغرافية، بل هو عنصر استراتيجي اقتصادي وثقافي، إذ يمنح الفندق قدرة على الوصول السريع للنزلاء، ويضعه في قلب النشاط الاجتماعي والاقتصادي للمدينة.
عيسى طمشة، صاحب ومستثمر أحد الفنادق يقول: “افتتحنا الفندق في بداية 2011، افتتاحاً تجريبياً، لذلك الفندق حديث بكل ما فيه، موقعنا مهم جداً كونه في وسط البلد، التكييف والكهرباء مستمر 24 ساعة لأننا حصلنا على الخط الذهبي، ولدينا طاقة شمسية.
كما أن الطاقم لدينا مدرب، وهذا مهم جداً، لأن السائح يريد الخدمات المميزة، وهي تقدم من قبل الطاقم لدينا”.
اهتمام بالعراقة
محمد هيثم السيوفي، مدير أحد الفنادق يقول: “فندقنا يقع في وسط العاصمة، نهتم جداً بعراقة الفندق، حافظنا على سمعته المهمة، والمستثمرون اعتبروا أن سمعة الفندق أهم من الإيرادات، لذلك نحاول دائما أن تكون خدماتنا بسوية الخمس نجوم، ويساعدنا في ذلك إطلالة الغرف، خاصة الطوابق العليا، فالموقع مهم جداً، ويؤكد محمود حماة، مدير أحد الفنادق في وسط دمشق أيضاً: “وجودنا في وسط البلد يعطي ميزة الوصول السريع للنزلاء، رغم صعوبة توفير مواقف سيارات نظامية بسبب الزحام”.
ويتابع: الموقع هنا ليس مجرد عنصر جغرافي، بل هو استثمار استراتيجي في الوصول والراحة للنزيل، ما يزيد من الولاء ويجذب فئة متنوعة من الزبائن المحليين والدوليين.
الغرف في هذه الفنادق مصممة بعناية لتعكس مزيجاً من الراحة والفخامة العملية، السجاد المريح، الإضاءة الدافئة، والأثاث المرتب بعناية تجعل كل غرفة مكاناً للاسترخاء وسط صخب العاصمة.
تجربة الوصول إلى هذه الفنادق، وسط الشوارع الضيقة والمليئة بالحياة، تعطي الزائر إحساساً بأن المدينة نفسها تحتضنه، فتتلاقى الحركة الحضرية مع الضيافة المنظمة.
ففنادق الأربع نجوم وسط دمشق تستهدف توازناً دقيقاً بين المغترب السوري والسائح العربي والأجنبي، مع مراعاة القدرة الشرائية والاختلافات الثقافية.
عيسى طمشة يقول: إن نسبة 90 بالمئة بالمئة من نزلائنا سوريون مغتربون، ونسبة العرب 8 بالمئة، بينما الأجانب 2 بالمئة.
محمد هيثم السيوفي يقول: 50 بالمئة من نزلائنا سوريون، يتوزعون مناصفة بين مغتربين ومقيمين، و50 بالمئة عرب من الأردن، لبنان، العراق، ويوضح: نعمل على أن يشعر المغترب وكأنه في منزله.
أما محمود حماة، فيؤكد أن 65 بالمئة من نزلاء فندقه سوريون، 25 بالمئة خليجيون، 10 بالمئة أجانب.
أسعار مختلفة
أسعار الغرف تختلف بين الفنادق، عيسى طمشة يوضح أن أسعار فندقه تتراوح بين 90 دولاراً و 175 دولاراً، فيما محمد هيثم السيوفي يقول: 70 دولاراً للمفردة، والمزدوجة 70-80 دولاراً، والغرف الأعلى 110 دولارات، حسب الإطلالات.
وتختلف أسعار فندق محمود حماة، قليلاً: 100 دولار للغرفة المفردة، و120 دولاراً للمزدوجة.
يروي من التقيناهم كيف أن الخدمة تتجاوز مجرد توفير المرافق، فهي تجربة متكاملة تجعل الفندق مساحة عاطفية وجسدية للزائر، تعكس الاستثمار في رضا النزيل والثقة المستمرة، والمطاعم في هذه الفنادق، على سبيل المثال، تمثل ساحة تذوق ثقافات متعددة، حيث يمكن للنزيل أن يختبر المأكولات السورية التقليدية مع لمسة عصرية، وتتناغم الأصوات، الروائح، وتصميم المكان لتصبح تجربة حسية كاملة.
يقول محمد هيثم السيوفي: حاولنا أن يشعر المغترب الذي أتى من سوريا أن الفندق مثل منزله، قدر الإمكان أن يشعر بدفء المنزل لا برودة الفنادق، وأعطيناهم أسعاراً مميزة، وفطوراً مجانياً.
ويؤكد محمود حماة: كل ما يحتاجه النزيل موجود، حتى إذا احتاج أي شيء من خارج الفندق نحضره له بسرعة كوننا وسط البلد.
ملاحظات الزبائن
تعليقات الزبائن السلبية ليست عقبة، بل فرصة للتطوير، وتجربة مستمرة تُعطي الفندق القدرة على التكيف مع الاحتياجات المتغيرة للنزلاء والسوق.
يقول عيسى طمشة: ملاحظات الزبائن السلبية هي التي تساعدنا على تطوير العمل، وتطوير أنفسنا، وتسعدنا لأنها تكشف أخطاءنا، فعندما يعرف الزبون أنك مهتم بملاحظاته وتستجيب للشكوى وتعتذر عن أي خطأ يخرج سعيداً.
وفي السياق ذاته يقول محمد هيثم السيوفي: أتعامل مع الملاحظات السلبية بكل واقعية، أي خطأ يجب أن يصلح، متابعة الأمور مهمة للفنادق، الإصلاح والتجديد والتغيير نحو الأفضل هاجس لإدارة الفنادق.
وكذلك محمود حماة: نتعامل مع أي سلوك مزاجي للنزيل بلطف، ليس كل الزبائن على سوية معينة، الوعي في التعاطي مع نزلاء الفنادق ضروري.
الأصالة والعراقة
الموظف في هذه الفنادق، ليس مجرد عامل، بل ركيزة استراتيجية لنجاح الفندق، واستثمار الخبرة والمعرفة الإنسانية التي تعكس جودة الخدمة وولاء النزيل.
يقول عيسى طمشة: الموظف لدينا يحتاج إلى تدريب عالٍ كي يفهم طبيعة التعاطي بالعمل السياحي، المفروض أن يرى تجارب مختلفة ليعرف كيف يتصرف، فعندما يأتي شخص جديد أدرّبه من الصفر.
أما محمد هيثم السيوفي، فيقول: قبل أن آتي لم يكن الموظفون يرتدون لباساً موحداً، بعد أن أتيت وحدنا لباس العاملين، كل حسب عمله، ونحتفل بأفضل موظف خلال السنة، وعدلنا الرواتب وسجلناهم بالتأمينات.
ويشرح السيد محمود حماة: نوفر تدريباً لمدة أسبوع، معظم الموظفين طلاب جامعات ومثقفون، المهم ترتيبهم وتقديم خدمة جيدة.
التسويق بين التقليدي والرقمي
التسويق في دمشق يمثل تحدياً اقتصادياً وفلسفياً، يتطلب موازنة دقيقة بين السمعة، نوعية الزبائن، والتكاليف المرتبطة بالترويج.
في هذا الخصوص، يقول عيسى طمشة: الترويج ضعيف حالياً، لكننا مستعدون للمرحلة القادمة بعد مؤتمرات وفعاليات رياضية وثقافية واقتصادية.
أما محمد هيثم السيوفي، فيقول: نعمل عقوداً مع المنظمات الدولية، مؤتمرات، تجديد المطاعم والمطابخ، نستخدم فيديوهات لتعريف الفندق.
وكذلك السيد محمود حماة: نعتمد على منصات إلكترونية، واستقطبنا عدداً كبيراً من النزلاء الأجانب.
تحديات الكهرباء والصيانة
عن التحديات يقول عيسى طمشة: الصعوبة الوحيدة هي موضوع الحجز من خارج البلد، الكهرباء متوفرة عبر الخط الذهبي لمدة 24 ساعة، لكنها مكلفة جداً، ولا نستطيع الاستغناء عنها أبداً، لأن وجودها في النهاية يرضي الزبائن.
ويتحدث محمد هيثم السيوفي عن أن تجديد الفرش، تغيير ديكور الغرف والمواد الأساسية يحتاج إلى تكاليف عالية.
ويشكو محمود حماة أيضاً من غلاء الكهرباء، رغم وجود طاقة شمسية، ومن صعوبة تأمين مواقف سيارات.
هذه التحديات تؤكد أن إدارة فنادق الأربع نجوم وسط العاصمة تتطلب موارد مالية مستمرة، وحلولاً مبتكرة لمشاكل الطاقة والصيانة، وهي جزء من فلسفة الإدارة الذكية.
أخيراً.. فنادق الأربع نجوم وسط دمشق ليست مجرد أماكن للإقامة، بل أنظمة اقتصادية ديناميكية تجمع بين الموقع الاستراتيجي، رضا النزلاء، الاستثمار البشري، التسويق الذكي، وتحديات البنية التحتية.
هذه الفنادق تمثل تجربة فندقية تجمع بين التراث والحداثة، بين الاستثمار والمجتمع، وبين الرؤية الاقتصادية والفلسفة الإنسانية للخدمة، لتصبح نموذجاً فريداً للضيافة السورية.