الثورة – ميساء العلي:
غالباً ما تعنى التغطيات الرسمية لمعرض دمشق الدولي بالأجنحة اللامعة والفعاليات الرسمية التي تبرز في الأعين، إلا أن ما يغيب عن الأنظار هو الاقتصاد غير المرئي الذي ينبض في الشوارع المجاورة.
وتترك هذه التغطيات فجوة واسعة بين الأجنحة اللامعة والفعاليات الرسمية من جهة، والأنشطة الاقتصادية الفعلية المحيطة بها من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، يسلط الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي الضوء على أهمية الأنشطة الصغيرة والمتناهية في الصغر التي تدور حول المعرض، مشيراً إلى أن هذه الأنشطة تخلق ديناميكية اقتصادية فاعلة تكمل الحدث الكبير وتسهم في دعم الاقتصاد المحلي.
وعن هذا الاقتصاد غير الرسمي الذي يضفي حياةً على الفعاليات ويوفر فرصاً اقتصادية للمجتمعات المحلية بعيداً عن الأضواء الرسمية.
يقول قوشجي في حديثه لـ”الثورة”: تجتمع مئات الأنشطة الصغيرة لخلق تبادلات تجارية لا تظهر في الأرقام الرسمية”، ويضيف: إن النظر إلى الساحة المجاورة للأجنحة يكشف عن ديناميكة اقتصادية للمشاريع الصغيرة والمتناهية في الصغر، التي تحتضن بائعين ومقدمين لخدمات تتكامل مع الحدث الرئيسي.
ازدهار اقتصاد الصغير
ويتابع: “يتحول الشارع المحيط بالمعرض إلى سوق نابض بالحياة يدار بقوّة من بائعي البسطات ومشغّلي عربات الطعام الشعبية، ويرتكز هذا الاقتصاد غير الرسمي على التوفر الفوري للبضائع: من الهدايا التذكارية المصنوعة يدوياً إلى وجبات الشاورما والسندويشات الساخنة، ولتحقيق دخل طالما رغبوا به، وهذا يؤدي إلى فوائد اقتصادية لهذه العمالة، ويضطر أصحاب هذه النشاطات للعمل ساعات طويلة تحت الضغط الأمني والخدماتي، ورغم عدم حصولهم على تصاريح رسمية في الغالب، يحققون دخلاً معيشياً أساسياً يسهم في دعم أسرهم، ويضفي هذا النشاط جواً محلياً دافئاً يثري تجربة الزائر بعيداً عن ممرات الأجنحة الرسمية.
السكان المحليون
وحول استفادة السكان المحليين من تدفق الزوار، يقول الخبير الاقتصادي: “يُعد تدفق الزوار إلى المعرض فرصة ذهبية لمحال الإيجار، والمنشآت الفندقية، والمطاعم القريبة، ويستفيد أصحاب الشقق المفروشة والسكن البديل من ارتفاع الطلب على الإقامة قصيرة الأمد.
كما تكثر شركات النقل المحلية التي تنظم رحلات داخل المدينة وخارجها بأسعار تنافسية، كما ينشط سوق الحرف اليدوية والتذكارات الرجالية والنسائية لدى الحرفيين المحليين لعرض منتجاتهم إلى جمهور متنوّع، تعطي هذه المكاسب الصغيرة دفعة اقتصادية ملموسة تدعم الميزانيات المنزلية طوال فترة المعرض.
وحول دور العمال المؤقتين في بناء وتشغيل المعرض يوضح قوشجي أن العمالة المؤقتة تشكل العمود الفقري لمرحلة الإعداد والفتـح والإغلاق على حد سواء، ويبدأ الأمر بفرق التركيب والإضاءة وتصميم الديكور، ثم يتسلم المشرفون على الخدمات اللوجستية والصيانة مهام تنظيم تدفّق الزوار داخل الأروقة.
وفي أيام الفعالية يسرّع عمال النظافة وحراس الأمن والتحكّم المروري من وتيرة العمل اليومي، كما يعتمد القائمون على المعرض في حالات الطوارئ على مترجمين فوريين ومتطوعين لتوجيه الزائرين وغيرهم، هذه الشبكة المؤقتة تضيف آلاف الساعات البشرية إلى مدة الحدث، من دون أن تبرز في التقارير الرسمية.
وهناك العديد من التحديات اللوجستية والخدمات المقدمة خارج الأجنحة الرسمية- فحسب قوشجي- تعاني الساحات الخارجية من ندرة أماكن الانتظار وازدحام نقاط التزود بالطاقة والمياه، كما يواجه عمال الترميم وأطقم الصيانة ضغوطاً مضاعفة للتدخل السريع في أي عطل فني قد يعطّل تدفق الحركة.
ويضطر بعض القائمين إلى ابتكار حلول مصغّرة، مثل مولدات كهربائية متنقلة أو خيام للتحكم بأعداد الزوار في مداخل المعرض.
دور آخر للشركات
وبحسب قوشجي، يبرز دور عدد من الشركات الصغيرة في تأمين خدمات “الواي فاي” المؤقتة ومحطات الشحن للموبايلات، كما يعتمد الزوار على مراكز إسعاف متجولة تقدّم الإسعافات الأولية بعيداً عن المراكز الرسمية المزدحمة.
ويختم كلامه بالقول: إن الاقتصاد غير المرئي يشكل رصيداً حيوياً يعزز انعكاسات الحدث على المجتمعات المحلية، وتتكامل الأنشطة الصغيرة مع البنية الرسمية لتخلق منظومة متكاملة لا يمكن تجاهلها في التخطيط المستقبلي.
ومن شأن إشراك هذه الشرائح، في التصاريح وتنظيم عملها بشكل محدود أن يحقق منافع أكبر على المدى المتوسط، كما أن إدراك هذا الوجه الخفي يدعو الحكومات والمنظمين إلى تبني رؤية شاملة تشمل كل مكونات المنظومة الاقتصادية للمعارض، وفقاً للخبير الاقتصادي.