الثورة – همسة زغيب:
تتجاوز الموسيقا الشعبية الفلسطينية كونها مجرد فن، لتتحول إلى سلاح ناعم يحمل في نغماته التراث والتاريخ والهوية، ويعبر عن وجدان شعبٍ لايزال متمسكاً بأرضه، متجذراً في ذاكرته الجمعية، مؤمناً بعدالة قضيته، في وطنٍ يرزح تحت وطأة الاحتلال.
تؤكد الباحثة في التراث الدكتورة نجلاء الخضراء في حديثها لـصحيفة الثورة عن الموسيقا الشعبية الفلسطينية، أنَّها اعتمدت على التراث كأساس لبنائها، مما أكسبها خصوصية فريدة ساعدتها على تخطي العقبات والانتشار الزماني والمكاني، لأنها تحمل رسالتها الفنية النضالية التراثية وتؤكد على أصالة هويتها ووجودها التاريخي وإصرارها على البقاء.
من الحنجرة إلى الوجدان
تتنوع الأغاني الشعبية الفلسطينية بحسب البيئة والهدف والمشاعر، وغالباً ما تُؤدى من دون آلات موسيقية، تكون الحنجرة هي المصدر الوحيد للصوت، ومن أبرز هذه الأنواع، أغاني العمل: تُستخدم لتحفيز العمال وتنسيق حركتهم، وتتناول موضوعات مثل الحنين، الشكوى، الأمل، والاعتصام بالله، وأغاني الطفولة: تشمل أغاني الميلاد، ترقيص الأطفال، الختان، وألعاب الصغار، أمّا الأغاني الدينية: تُؤدى في المناسبات مثل المولد النبوي، الهجرة، والحج، وتُرافقها الدفوف والطبول، وأغاني الزواج والخطبة: تُبرز جمال العروس وصفاتها الخلقية، وتُعبر عن الحب كعاطفة إنسانية سامية.
الآلات الشعبية والموال
تُستخدم آلات مثل الربابة، الدف، والمهباج في الموسيقا الآلية، فيما تجمع الموسيقا الغنائية الآلية بين الصوت والآلة، كما في فن الموال، الذي يتميز بالتلاعب بالألفاظ والجناس، ويُؤدى غالباً على وزن البحر البسيط، رغم أن ضبط الوزن الشعري يخضع لتأثير الأداء الموسيقي أكثر من القواعد العروضية.
تراث حيّ
ترتبط الموسيقا الشعبية بالرقصات التقليدية مثل الدبكة، رقصة السيف، والدحية، وتُبنى على المقامات الشرقية التي تمنحها طابعاً خاصاً، ومن أبرزها: مقام البياتي: وتُغنى عليه أغاني مثل “على دلعونا”، “يا ظريف الطول”، “جفرا”، ومقام الراست: مثل “حسنك يا زين”، “لوحي بطرف منديلك”، ومقام السيكاه: مثل “احلق يا حلاق”، “علا ويا ديني علا”، ومقام الحجاز: مثل “هدّي يا بحر”، “يا مايلة عالغصون”، ومقاما العجم والنهاوند: ويُستخدمان في أغاني الأطفال لما فيهما من نعومة وبساطة.وتتميز هذه الموسيقا باحتوائها على أرباع البعد، وهي سمة أصيلة في الموسيقا الشرقية، كما أن الجمل الموسيقية قصيرة نسبياً، لا تتجاوز غالباً ثماني مازورات، مما يمنحها طابعاً حيوياً وسهل الترديد.
بصمة المغني الشعبي
تُعد الزخارف اللحنية جزءاً جوهرياً من الأداء الشعبي، إذ يُضفي المغني من خلالها بصمته الخاصة، ويُرتجل اللحن تبعاً للحالة المزاجية، مما يجعل كل أداء فريداً من نوعه، ويُعزز القيمة الجمالية للأغنية، ويُعبّر عن روح المغني وخبرته.
وفي ختام حديثها، تؤكد الدكتورة نجلاء الخضراء أن الموسيقا الشعبية الفلسطينية ليست مجرد تراث محفوظ، بل هي نبض حيّ يعكس مقاومة شعب، ويُخلّد ذاكرة وطن، ويُغني الروح قبل أن يُطرب الأذن.