ألوان لا ترى فقط .. بل تحس وتشفي

الثورة – عبير علي:

“تعد العلاقة بين اللون والموسيقا من أكثر الظواهر الفنية إثارة للبحث والدراسة، إذ يلتقي الحس البصري مع السمعي في تجربة جمالية واحدة”.

بهذه الكلمات بدأ الفنان التشكيلي علي نفنوف، المدرب المختص في العلاج بالفن، حديثه لصحيفة الثورة، ويقول: إن فكرة موسيقا الألوان تقوم على أن الألوان، شأنها شأن النغمات الموسيقية، تحمل ترددات وذبذبات قادرة على إحداث استجابة شعورية لدى الإنسان، وهو ما يجعلها أداة فعالة في العلاج بالفن.

ويبرز نفنوف أن هذا التشابه الفيزيائي بين الضوء والصوت أتاح للفنانين والباحثين مقاربة اللون بوصفه معادلاً سمعياً يمكن أن يعبر عن مشاعر وانفعالات لا تلتقطها الكلمات.

وأضح أن موسيقا الألوان تتجلى بشكل واضح في لوحات العديد من الفنانين الذين سعوا لخلق لغة بصرية تشبه التآلفات الموسيقية، من أبرز هؤلاء، الفنان الروسي فاسيلي كاندينسكي، الذي ربط بين الألوان والأصوات بشكل مباشر، إذ رأى في الأزرق نغمة عميقة قريبة من صوت التشيلو، وفي الأصفر إيقاعاً حاداً يقترب من أصوات الأبواق النحاسية.

في تجربة مغايرة، ابتكر الفنان الفرنسي روبرت ديلوني تكوينات تعتمد على تكرار الدوائر وتدرج الألوان، لإحداث إيقاع بصري يوازي التوزيع اللحني في المقطوعات الموسيقية.

وكما يوضح نفنوف، نجد في أعمال “بول كلي” مزجاً بين الخطوط والألوان، يعيد إلى الذهن نوتات موسيقية تتحرك في فضاء صامت لكنه غني بالمعاني، إن التفاعل بين الألوان والموسيقا ليس مجرد فكرة نظرية، بل هو تجربة حية تتجسد في فنون تتجاوز حدود الكلمات، مما يفتح آفاقاً جديدة لفهم العملية الإبداعية والتعبير عن المشاعر الإنسانية.

مدخل إلى التحرر النفسي

أما في مجال العلاج بالفن، فإن استحضار موسيقا الألوان يفتح إمكانات واسعة للتعبير العاطفي والتحرر النفسي، يقول نفنوف: إن العمل على لوحات ذات ألوان حارة وصاخبة يشبه الاستماع إلى مقطوعات موسيقية ذات إيقاع سريع، وهو ما يساعد المشاركين على تفريغ التوتر والغضب.

وفي المقابل، يتيح استخدام الألوان الباردة، مثل الأزرق والأخضر، تجربة بصرية هادئة تحاكي تأثير الموسيقا الكلاسيكية أو النغمات المنخفضة، ما يعزز الإحساس بالطمأنينة والاسترخاء.

ويشير نفنوف إلى أنه يمكن للمشرف على جلسة العلاج دمج سماع موسيقا مختارة مع العمل على تدرجات لونية متناسقة، لتوليد تجربة حسية مزدوجة تحفز المشاعر وتدعم عملية الشفاء.

وأضاف: إن دراسة موسيقا الألوان تكشف عن وحدة عميقة بين الفنون، وتؤكد أن اللون ليس مجرد عنصر زخرفي، بل هو لغة قائمة بذاتها، مبيناً أن هذه اللغة، عندما توظف في العلاج بالفن، تتحول إلى وسيلة لإعادة التوازن الداخلي، حيث يصبح الإيقاع البصري مساراً لاستعادة الانسجام بين الجسد والروح”.

العلاج بالفن عبر الأعمار

يتيح مفهوم موسيقا الألوان إمكانات واسعة للتعامل مع فئات عمرية متنوعة وحالات صدمة نفسية أو عاطفية، من خلال دمج الإيقاع الموسيقي بالتعبير اللوني بطريقة تراعي احتياجات كل مرحلة حياتية. فمع فئة “المراهقين”، يمكن استخدام الموسيقا ذات الإيقاع المتدرج من الهادئ إلى السريع، مع ألوان متناقضة، لتحفيزهم على تفريغ مشاعر التوتر أو القلق المرتبطة بفترة النمو والتغيرات الوجدانية، إن هذا الأسلوب يساعدهم على التعبير عن مشاعرهم بشكل أكثر انفتاحاً. أما مع “الشباب والراشدين”، فتستخدم مقطوعات موسيقية ذات نغمات أعمق ترافقها تدريبات على اختيار تدرجات لونية تمثل صراعاتهم الداخلية أو تجارب الفقد والانفصال، هذا الأمر يفتح مساحة آمنة للتعبير من دون الحاجة إلى الكلمات، مما يخلق بيئة داعمة تعزز من قدراتهم على التعبير عن مشاعرهم.

وفيما يتعلق “بالراشدين الذين تعرضوا لصدمات نفسية، كالحروب، أو الحوادث، أو الفقد الكبير، يمكن إدخال الموسيقا البطيئة والألوان المائية، أو درجات الأزرق والأخضر لدعم الاسترخاء وإعادة بناء الإحساس بالأمان. ثم يتم الانتقال تدريجياً إلى ألوان أكثر دفئاً مع إيقاعات أكثر حيوية، مما يشجع المشاركين في العملية العلاجية على استعادة الشعور بالقوة والسيطرة.

وفي جلسات” العلاج الجماعي”، يمكن أن يعمل المشاركون على لوحة مشتركة، إذ يضيف كل شخص لوناً متوافقاً مع المقطع الموسيقي الذي يسمعه في تلك اللحظة، هذا الأسلوب يخلق حواراً غير لفظي يساعد على بناء الثقة والتواصل، ويعزز الإحساس بالانتماء بين المشاركين، مما يخلق جواً مريحاً وآمناً.

إن هذه التطبيقات تجعل موسيقا الألوان أداة علاجية مرنة، تتكيف مع مختلف الأعمار والظروف النفسية، وتفتح المجال أمام إعادة التوازن العاطفي من خلال تجربة حسية آمنة ومتكاملة.

مشاركة موسيقا الألوان

ليس من الضروري أبداً أن يمتلك المتدرب أو المتلقي أي خبرة سابقة في الرسم أو أن ينتج عملاً فنياً متقناً لكي يستفيد من موسيقا الألوان في العلاج بالفن، الغاية الأساسية ليست إنتاج لوحة للعرض أو التقييم، بل خوض تجربة حسية وانفعالية تجمع بين السمع والبصر وتتيح التعبير عن المشاعر بطرق غير لفظية.

 

يمكن تطبيق هذه الفكرة بطريقتين أساسيتين، أو مزجهما معاً بحسب الهدف العلاجي ومستوى راحة المشارك:

– الرسم والتلوين الشخصي، يُشجَّع المتدرب على استخدام ألوان مختلفة أثناء الاستماع إلى موسيقا مختارة، ليترك العنان لحركته على الورق من دون التقيد بقواعد أو أشكال محددة. يمكن أن يملأ المساحات بخطوط أو دوائر أو بقع لونية مجردة، الغرض هنا هو إخراج الإحساس اللحظي من خلال اللون والإيقاع، وليس رسم موضوع واضح.

القراءة والاستجابة البصرية

قد تُعرض على المتلقي لوحات أو أعمال فنية ذات طيف لوني متنوع، مع مقاطع موسيقية متناسبة، ويُطلب منه اختيار ألوان أو كلمات تصف مشاعره أو تفاعله مع ما يراه ويسمعه، هذه الطريقة مناسبة لمن لا يفضل الرسم أو يشعر بالقلق من الأداء الفني.

في الحالتين، يعمل اللون والموسيقا كوسيط آمن يخفف التوتر ويفتح باب الحوار الداخلي أو الجماعي. وبالتالي، فإن غياب الخبرة الفنية لا يشكل عائقاً، بل قد يكون ميزة لأنه يسمح بالتعبير العفوي والبسيط الذي يمثل جوهر العلاج بالفن.

في النهاية، يتحول اللون إلى نغمة صامتة قادرة على مداواة ما تعجز الكلمات عن قوله، مُجسّداً القدرة الفائقة التي يمتلكها الفن في مساعدة الأفراد على التغلب على تحدياتهم النفسية والعاطفية.

آخر الأخبار
الرئيس الشرع  في قمة (COP30)  :  إرادة الشعوب قادرة على تجاوز كل التحديات مهما عظمت   "  الخارجية " لـ"الثورة".. مجلس الأمن يعقد جلسة طارئة لرفع العقوبات  "روح الشام" دعم المشاريع الصغيرة وربطها بالأعمال الخيرية الشرع يشارك في فعاليات مؤتمر قمة المناخ (COP30) مصدر مسؤول في "الخارجية": لا صحة لما نشرته "رويترز" عن القواعد الأميركية في سوريا الرئيس الشرع يلتقي غوتيريش على هامش أعمال مؤتمر قمة المناخ (COP30) مبادرة "لعيونك يا حلب" تعيد تجهيز المقاعد المدرسية  الرئيس الشرع يجتمع مع وزير الخارجية الإيطالي على هامش(COP30)  العدالة البيئية كجزء من العدالة الوطنية.. رسالة الرئيس الشرع في COP30 صيانة شوارع السوق التجاري في مدينة درعا مضر الأسعد: "إسرائيل" تطمع في الأراضي السورية وانتهاكاتها ضغط سياسي ظاهرة التشرد في حلب تحت المجهر قفزة غير مسبوقة.. اتفاقيات بالجملة لـ"الطاقة" باستطاعة 5000 ميغاوات مجلس مدينة حلب و"المالية" يقرران تحديد ضريبة عادلة لمولدات "الأمبيرات" الرئيس البرازيلي يستقبل الشرع في قاعة انعقاد قمة المناخ “COP30 من البرازيل.. الشرع يقود سوريا من "التغريبة" إلى "الشراكة الخضراء"  سوريا على أعتاب نموذج تنموي جديد.. ما علاقة الإنسان والبنيان؟ الرئيس الشرع إلى البرازيل: زيارة تاريخية تفتح آفاق الدبلوماسية السورية الجديدة دعوة لصلاة الاستسقاء يوم الجمعة 14 الجاري 425 مليار ليرة كتلة المعاشات التقاعدية للشهر الجاري