فراس اللباد – باريس
صحفي سوري:
تعتبر الدبلوماسية بمثابة اللغة العالمية المشتركة، وهي لغة لا تتطلب ترجمة نظراً لقدرتها على تجسيد آمال الإنسانية في تجنب الصراعات وبناء مستقبل أكثر استقراراً.
وعلى الرغم من إمكانية حدوث أخطاء أو تعثرات، يظل البديل عنها يمثل خطراً أكبر.
منذ بداياتها، عُرفت السياسة السورية بتأثيرها الإقليمي والدولي، غير أنها شهدت تحولات عميقة في العقود الأخيرة، ففي مرحلة حكم النظام البائد، جرى توظيف السياسة الخارجية والداخلية بما يخدم أهدافاً ضيقة ترتبط ببقاء السلطة وتعزيز مصالح محدودة، وهو ما انعكس سلباً على صورة سوريا عالمياً، وجعلها دولة منغلقة، محدودة الدور، ومكبّلة بالعزلة والعقوبات.
وبناءً على ذلك، تكتسب الدبلوماسية السورية أهمية بالغة، على الرغم من أن سوريا ليست دولة عظمى، إلا أن موقعها الجغرافي والسياسي قد منحها ثقلاً إقليمياً ودولياً. فقد شكلت الدبلوماسية السورية على الدوام أداة أساسية للحفاظ على المصالح الوطنية وحمايتها، بالإضافة إلى كونها وسيلة للتأثير في القضايا العربية والإقليمية على الرغم من التحديات.
لقد أدرك القادة العالميون في وقت مبكر أن التفاهم بين الأمم ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة حتمية، وقد لخص الرئيس الأمريكي “جون كينيدي ” هذه الرؤية عندما أكد قائلاً: “لا تتفاوض بدافع الخوف، ولا تخف من التفاوض” هنا، تتجلى شجاعة الدبلوماسية في قدرتها على حماية المصالح الوطنية دون الانصياع لنزعات الهيمنة أو الخوف، والدبلوماسية هي الآلية التي تعتمدها الدول للتواصل فيما بينها، وذلك بهدف تجنب الحروب والنزاعات.
ويمكن القول، أنه في 8 – 12 – ديسمبر – 2024، شهدت سوريا مرحلة انتصار حاسمة ونقلة نوعية مهمة جداً، ما أدى إلى صياغة سياسة جديدة شاملة على المستويات الداخلية والخارجية والإقليمية. تميزت هذه المرحلة بالعمل الدؤوب لفريق عمل تمكن من رفع العقوبات عن سوريا، وإعادة هيكلة المؤسسات الدبلوماسية، بما في ذلك السفارات ووزارة الخارجية، وفتح الباب أمام مشاركة أوسع من الشعب السوري في مختلف المجالات بعد أن كانت هذه الفرص مقتصرة على فئة معينة آنذاك، تم وضع وتنفيذ هذه الخطة الاستراتيجية من قبل جيل جديد من الشباب السوري، الذين تمكنوا من تجاوز التحديات العالمية، وتحديداً الضغوط الغربية والأمريكية، من خلال دبلوماسية فعالة ومرنة تهدف إلى معالجة التحديات الناجمة عن الأوضاع السابقة في سوريا.
أذكر هنا أننا بدأنا نشهد حالياً تحولاً نحو “الدبلوماسية التفاعلية” – التشاركية، التي تشمل مشاركة المواطنين السوريين في متابعة التطورات المحلية والعالمية ذات الصلة. نظراً لأهمية هذه التطورات لجميع أفراد الشعب السوري، فقد أصبحت هذه الدبلوماسية تتماشى مع النماذج العالمية المتبعة في الدول المتقدمة.
على النقيض من الدبلوماسية السابقة، التي اتسمت بالجفاف والجمود والافتقار إلى التطور، فقد كانت بعيدة عن الشعب السوري، ولم يتمكنوا من الإحاطة بتفاصيلها إلا من خلال ما يتم الترويج له وما يراد إيصاله.
وبرأيي، أن الجميع يلاحظ جهودها الداخلية والخارجية، حيث يمثل الشباب السوري الواعي والمجتهد قوة دافعة تتصدى للتحديات الموروثة عن حقبة ماضية صعبة، تتابع المؤسسة عن كثب أداء مكاتبها الإدارية والعاملين فيها داخل أروقة وزارة الخارجية السورية، وتسلط الضوء على الفرص العديدة التي منحت للشباب السوري، والتي كانت في السابق بمثابة حلم بعيد المنال، وذلك من خلال إتاحة الفرصة لهم للعمل في المجالين الدبلوماسي والإداري، اللذين كانا في السابق حكراً على فئة معينة.
ولابد من الإشارة هنا، إلى أن الوزير السوري يتولى وفريقه من الكوادر الخارجية والداخلية في الوزارة مسؤولية وأمانة كبيرة تجاه الشعب السوري، تتمثل في تصحيح مسار الدبلوماسية السورية، التي شهدت تدهوراً ملحوظاً في الفترات السابقة نتيجة للأوضاع التي مرت بها سوريا، وتعثر النظام البائد في حماية هذه الدبلوماسية والشعب على حد سواء، معتمداً على التهديد والوعيد كأداة للتعامل مع الدول الغربية ومسحها من على خارطة العالم، عندما قالها وليد المعلم آنذاك.
وبالتوازي مع انتصار الثورة السورية، يقوم الفريق الدبلوماسي السوري الحالي بإجراء زيارات متعددة للسفارات والقنصليات السورية، وإعادة هيكلتها لتحقيق أفضل أداء، بالإضافة إلى تقديم خدمات متطورة وراقية للمواطنين السوريين، كما يتم إعادة صياغة العلاقات العامة بشكل شفاف، مع التركيز على المشاركة المجتمعية بين أفراد الشعب السوري، ما يمثل ذلك تحولًا نحو ما يمكن تسميته “الدبلوماسية السورية التشاركية”، بعيداً عن الأساليب التقليدية التي اتسمت بالجمود والسرية كما كانت عند البائد.
لذلك تذكرني الدبلوماسية السورية النشطة في الوقت الحالي بفترة الخمسينيات، التي شهدت نشاطاً ملحوظاً، لاسيما في دعم القضايا العربية والفلسطينية، بالإضافة إلى التقاربات المتعددة، وللحديث بقية…..