الثورة – لينا شلهوب :
بعد أربعة عشر عاماً من الغياب، تعود المؤسسات التعليمية الخاصة التي توقفت، أو أُلغي ترخيصها منذ عام 2011 إلى ممارسة نشاطها مجدداً، بموجب قرار أصدرته مؤخراً وزارة التربية والتعليم.
وجاء القرار استجابة لطلبات من المحافظات، ولتوصيات لجنة شؤون التعليم الخاص، ليفتح ذلك الباب أمام إعادة افتتاح هذه المؤسسات ضمن شروط محددة، بينها تقديم طلب رسمي من صاحب الترخيص، وإجراء كشف ميداني للتأكد من جاهزية الأبنية والمرافق، إضافة إلى إمكانية منح مهلة لعام دراسي واحد لمن يتعذر عليهم استئناف نشاطهم مباشرة، هذه العودة تأتي في ظل تحسّن الأوضاع الأمنية والحاجة المتزايدة إلى توسيع قاعدة التعليم، وخصوصاً مع الضغط الكبير على المدارس الحكومية.
لكن، ماذا يعني هذا القرار بالنسبة للواقع التربوي، والتعليمي، والاجتماعي؟ وهل ستكون هذه العودة خطوة نوعية لإحياء القطاع الخاص ودعمه، أم إنها ستواجه تحديات تتعلق بالقدرة على إعادة التأهيل والتجهيز، فضلاً عن التكاليف المالية التي قد يتحملها الأهالي؟ هذه العودة ليست مجرد إجراء إداري، بل تحمل في طياتها أبعاداً تربوية واجتماعية واقتصادية قد تنعكس بوضوح على الواقع التعليمي في البلاد.
رسالة استقرار
خلال سنوات الحرب، اضطرت آلاف الأسر لتسجيل أبنائها في المدارس الحكومية بعد توقف المدارس الخاصة، ما أدى إلى اكتظاظ غير مسبوق في الصفوف.
ويرى الخبير التربوي سامر الحمصي أن الإعلان عن مثل هذا القرار سيخفف من الضغط الكبير على المدارس الحكومية، خصوصاً في المدن الرئيسية التي تشهد ازدحاماً شديداً، مضيفاً: إن عودة هذه المؤسسات ستعيد للقطاع الخاص دوره كشريك أساسي في تطوير العملية التربوية، وتتيح فرصاً لبرامج تعليمية أكثر تنوعاً ومرونة، لكنه يحذّر من أن النجاح مرهون برقابة صارمة تضمن جودة التعليم، وعدم تحوله إلى نشاط تجاري بحت.
القرار حمل أيضاً أبعاداً اجتماعية لافتة، وأشارت الباحثة التربوية الدكتورة دعاء شلهوب، إلى أن إعادة فتح المدارس التي توقفت قسراً بسبب الحرب يُعد وفق عدد من المراقبين، مؤشراً على عودة الاستقرار التدريجي إلى المجتمع.
وفي هذا المجال، تقول سلوى الزين- وهي أم لثلاثة طلاب في أشرفية صحنايا: إن افتتاح مدارس خاصة من جديد، يمنحنا خيارات إضافية، ويخفف من ضغط الصفوف المكتظة، لكننا قلقون من مسألة الأقساط المرتفعة، مع أننا بحاجة فعلاً لهذه المدارس، لكن ليس على حساب لقمة العيش، إذ تصل الأقساط إلى ملايين الليرات.
أما الطالبة الثانوية سارة العوابدة (16 عاماً)، فترى أن هذه العودة ربما تكون فرصة للحصول على بيئة تعليمية أفضل، وربما لوجود أنشطة لا نجدها في المدارس الحكومية، كالمختبرات، أو اللغات الإضافية.
فرص وتحديات
لا يقتصر أثر القرار على العملية التعليمية فقط، بل يمتد إلى الجانب الاقتصادي أيضاً، ويشير المعلم مروان درويش، إلى أن إعادة افتتاح هذه المؤسسات، سيوفّر فرص عمل لمئات المعلمين والإداريين، ما يسهم في تخفيف نسب البطالة، كما يقول، ويعزز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتكون في خدمة العملية التربوية.
إلا أن التحدي يبقى في كلفة إعادة تأهيل المدارس المتوقفة منذ سنوات طويلة، فبعضها تعرّض للتدمير الجزئي أو الكلي، ما يعني أن الاستثمار في إعادة بنائها وتجهيزها سيكون كبيراً، ومع ذلك يراهن أصحاب التراخيص على أن الطلب المتزايد على التعليم الخاص، سيشجّعهم على خوض هذه المغامرة.
بالنسبة للعديد من الأسر، تشكّل عودة المدارس الخاصة أملاً جديداً بتعليم أفضل لأبنائهم، وحول تجربته الخاصة يرى معتز عبد الحي- طالب جامعي تخرج من مدرسة خاصة عام 2010، أن تجربته في المدرسة الخاصة منحته اهتماماً فردياً ودعماً لم يجده في مدارس أخرى، لذا فإن عودة هذه المؤسسات ستمنح الأجيال الجديدة فرصة مشابهة، وهذا مهم لمستقبلهم.
لكن الأصوات المحذرة حاضرة أيضاً، فبعض الأهالي يخشون أن يؤدي انتشار المدارس الخاصة مجدداً إلى اتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، حيث سيبقى التعليم النوعي متاحاً لمن يستطيع دفع التكاليف فقط.
إعمار تربوي واجتماعي
يرى مراقبون أن القرار يتجاوز كونه مجرد خطوة إجرائية، فهو يعكس انتقال البلاد من مرحلة الطوارئ إلى مرحلة إعادة البناء، كون عودة هذه المؤسسات تعني استثماراً في الإنسان قبل كل شيء، إذ يشكل التعليم حجر الأساس لأي عملية تنمية مستقبلية.
وهنا يؤكد الخبير التربوي الحمصي أن القطاع الخاص سيكون له دور محوري في إعادة الإعمار التربوي، لكن هذا يتطلب تكاملاً حقيقياً مع وزارة التربية لضمان عدالة التعليم بين مختلف الشرائح الاجتماعية.
وما بين الأمل والتحديات، تبقى عودة المؤسسات التعليمية الخاصة بعد أكثر من عقد، خطوة إيجابية تحمل في طياتها رسائل عدة، تتمحور حول دعم العملية التربوية، وتخفيف الضغط عن المدارس الحكومية، إضافة إلى توفير فرص عمل، وتعزيز صورة الاستقرار في المجتمع، لكنها في الوقت ذاته تضع الأهالي، أمام معضلة الأقساط، وتكاليف التعليم، وتضع الدولة أمام مسؤولية الرقابة الصارمة.
وبين التفاؤل والقلق، يظل القرار نافذة جديدة نحو إعادة الإعمار التربوي والاجتماعي، ورسالة واضحة أن عجلة التعليم في سوريا بدأت تعود للدوران بثبات، رغم كل التحديات.