الثورة – جهاد اصطيف:
امتلأت ساحة سعد الله الجابري وسط مدينة حلب بحركة غير اعتيادية، مئات العمال بزيهم المميز، وشباب متطوعون يحملون أدوات تنظيف، وأطفال يرفعون لافتات صغيرة كتب عليها: “حلب نظيفة.. حلب أجمل”، في مشهد يختزل معاني التكاتف والعمل الجماعي، هنا كانت انطلاقة فعالية “بأيدينا سوريا بتحلى”، التي نظمتها مديرية النظافة في مجلس مدينة حلب بالتعاون مع محافظة حلب ومنظمة E-Clean، وعدد من الهيئات المجتمعية والشبابية، تزامناً مع اليوم العالمي للنظافة.
أكثر من 840 عامل نظافة
الحملة وصفت من قبل القائمين عليها أنها أضخم مبادرة مجتمعية للنظافة في حلب خلال السنوات الأخيرة، إذ شارك فيها أكثر من 840 عامل نظافة يتبعون لمجلس المدينة، إلى جانب مئات الشباب المتطوعين من المنظمات المحلية والمبادرات الفردية، المشهد كان لافتاً.. فرق تعمل بتنظيم واضح، شاحنات نقل النفايات تتحرك بين الأحياء، وخراطيم المياه تغسل الأرصفة، فيما ينتشر المتطوعون في الحدائق والمدارس لتنظيفها.
في تصريح لمدير النظافة في مجلس مدينة حلب بكرو العبد الله، أوضح أن هذه الحملة ليست مجرد مناسبة عابرة مرتبطة باليوم العالمي للنظافة، بل هي جزء من خطة شاملة ومستدامة نعمل عليها، هدفنا أن نعيد حلب إلى وجهها الحضاري الذي يليق بتاريخها وأهلها، وأن نؤكد أن النظافة مسؤولية جماعية لا تقع على عاتق جهة واحدة.
وأشار إلى أن العمل الميداني ترافق مع أنشطة توعية تستهدف الأهالي، عبر منشورات ولافتات تدعوهم إلى الالتزام بمواعيد وأماكن رمي النفايات، لافتاً إلى أن الشراكة مع المنظمات الدولية مثل E-Clean تضيف بعداً جديداً من حيث التخطيط والتدريب والتواصل مع المجتمع المحلي.
التركيز على الأحياء الشرقية
الحملة شملت معظم أحياء حلب، لكن التركيز الأكبر كان على الأحياء الشرقية التي تعرضت لدمار واسع خلال سنوات الحرب، مثل الميسر، الجزماتي، الشعار، طريق الباب، ضهرة عواد، الصاخور، قاضي عسكر، والنيرب، كما امتد النشاط ليشمل بعض الأحياء الغربية مثل البلليرمون، منيان، كفر داعل، والمنصورة.
لاشك أن البعد الرمزي للحملة لا يقل أهمية عن بعدها العملي، ففي حين يشارك المواطنون مع فرق النظافة في تنظيف شوارعهم، يتولد لديهم شعور بالانتماء والمسؤولية، النظافة هنا تتحول إلى مدخل لإعادة بناء الثقة بين الناس ومؤسسات الدولة، وهي رسالة أن الإعمار يبدأ من تفاصيل الحياة اليومية.
ويرى مهتمون أن التجارب العالمية أثبتت أن المدن التي تنهض بعد الكوارث تبدأ من حملات النظافة وإزالة الركام، لأنها تؤسس لبيئة صحية تسهل عودة السكان وتنشيط الأسواق.
حلب بيتنا الكبير
عدد من المشاركين في الحملة، ممن التقتهم “الثورة”، أكدوا أنهم لم يشعروا يوماً أن جمع النفايات عمل ثانوي أو بسيط، بل على العكس، هو تعبير عن حبهم لمدينتهم، اليوم ونحن نشارك مع أصدقائنا في تنظيف شوارع الشعار، شعرنا أننا نعيد الروح لحلب.
أما الطلاب الذين شاركوا مع فريق في تنظيف حديقة، فأكدوا أن التجربة منحتهم درساً عملياً في المواطنة، وتعلموا أن المدينة مثل البيت، لا يمكن أن نعيش فيها براحة إذا لم نحافظ على نظافتها، متمنين أن تصبح هذه الحملات عادة مستمرة.
بدورهم، عدد من الأهالي اعتبروا أن الحملة جيدة بكل المقاييس، وأنهم لم يشعروا بالراحة منذ سنوات، ولم يروا شوارعهم نظيفة بهذا الشكل، متمنين أن تستمر هذه الجهود، وأن يستمروا هم بالحفاظ على النظافة.
ما ميز فعالية “بأيدينا سوريا بتحلى” هو أنها لم تقتصر على الجانب التنفيذي، بل سعت لترسيخ ثقافة بيئية جديدة تقوم على الشراكة بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المحلي، مدير النظافة بكرو العبدالله شدد في ختام حديثه على أن المدينة لن تبقى نظيفة إذا لم يلتزم المواطنون بدورهم، داعياً الجميع إلى أن يكونوا شركاء حقيقيين في حماية البيئة.
وفيما تستعد الفرق لتنفيذ جولات جديدة في الأحياء، تترسخ القناعة أن إعادة إعمار حلب تبدأ من تنظيف شوارعها وقلوب أهلها، وأن حملة ” بأيدينا سوريا بتحلى” ليست سوى خطوة أولى في طريق طويل نحو مدينة أجمل وأكثر إشراقاً.