الثورة- علي إسماعيل:
في نيويورك، وعلى هامش فعاليات قمة كونكورديا، لفت حديث الرئيس أحمد الشرع مع الجنرال الأمريكي المتقاعد ديفيد بيترايوس أنظار المراقبين، لما تضمنه من رسائل متعددة و واضحة حول رؤيته للحوار والسلام وبناء الدولة في سوريا، فكان الحديث كما وصفه المتابعون، رؤية متكاملة، وليس مجرد لقاء بروتوكولي.
وقال المحلل السياسي علي إبراهيم التيناوي: إن حديث الرئيس الشرع مع الجنرال المتقاعد بيترايوس له أبعاد ودلالات على المستويين الداخلي والإقليمي، وهو أن سوريا بعد أربعة عشر عاماً من الصراع، لم تعد كما كانت قبل اندلاعه، حيث هناك مشهد جديد يتشكّل، وصوت مختلف يعلو، عنوانه الحوار والسلام، وهنا قدّم الرئيس أحمد الشرع خطاباً لافتاً حمل إشارات إلى مستقبل أكثر انفتاحاً، وتضمّن دعوة صريحة للانطلاق نحو بناء سوريا جديدة.
من الحرب إلى الحوار
ويوضح التيناوي بالقول: “لم تكن الحرب مجرّد مواجهة عسكرية، بل تجربة وجودية غيّرت طبيعة الدولة والمجتمع، لذلك يكتسب حديث الرئيس الشرع حول الانتقال من الحرب إلى الحوار أهمية خاصة، حيث أكد على توجه الثورة بعد التحرير وتحقيق النصر للحوار، وليس للانتقام، فالمحاسبة لن تكون إلا للمذنبين والمجرمين.
فحين يؤكد قائد خبر مرارة الحرب، أنّ المحاربين هم الأقدر على صناعة السلام، فإنّه يضع أساساً جديداً لرؤية وطنية شاملة، الغاية منها ليست فقط إنهاء النزاع، بل الوصول إلى صيغة توافقية تضمن الأمن وتفتح باب الحوار– كما شدّد الرئيس – هو ثقافة سورية أصيلة يجب أن تكون جزءاً من بناء المستقبل.”
السلام ومراجعة الماضي
ويؤكد التيناوي: “أن السلام لا ينفصل عن مراجعة الماضي، ودعوة الرئيس إلى (محاكمة الماضي بقوانين زمنه) تحمل دلالة عميقة، فهي محاولة للفصل بين ضرورة الإنصاف وضرورة تجاوز عُقد الماضي، وبهذا الطرح، يُفتح المجال لبناء تفاهمات مستقبلية بعيدة عن الأحقاد القديمة، ويمكن القول: إنّ هذا الخطاب يشكّل بالفعل مدخلاً لمصالحة وطنية داخلية، وربما إقليمية أيضاً، تُعيد اللحمة بين السوريين وتبني جسور ثقة مع المحيط”.
وحول البعد الإقليمي، يوضح التيناوي: سوريا لم تكن يوماً بمنأى عن أحداث المنطقة، من احتلال العراق إلى جرح فلسطين، فإشارة الرئيس إلى هذه الخصوصية تعيد صياغة الرواية السورية أمام المجتمع الدولي.
الاعتراف بالظروف التي فرضت نفسها على القرار السياسي السوري يساعد العالم على فهم أعمق لدوافع تلك المرحلة. وهنا تكمن أهمية الحديث، فهو يضع ما حدث في إطار واقعي، لا دفاعي ولا تبريري، بل تفسير موضوعي يفتح باب النقاش حول موقع سوريا ودورها.
العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب
أما عن العلاقات الدولية، يشير التيناوي إلى أن “حديث الرئيس عن بدء مرحلة جديدة مع واشنطن والغرب يحمل رسائل واضحة، أولها أنّ سوريا مستعدة للانفتاح، وثانيها أنّ العقوبات لم تعد مجرد ورقة ضغط، بل عبء يعيق أي نهوض اقتصادي، لافتاً إلى أن رفع العقوبات– إذا تحقق– سيكون فرصة حقيقية لإعادة إعمار البلاد وفتح المجال أمام تعاون سياسي واقتصادي يعيد لسوريا موقعها الطبيعي، نحن أمام خطاب يلمّح إلى تحالفات جديدة، بعيدة عن التجارب السابقة التي أرهقت الشعب السوري”.
في المحور الأكثر حساسية، وهو “العلاقة مع إسرائيل” يعلّق التيناوي: “الأمن الإقليمي عنصر محوري في السياسة السورية، عندما يتحدث الرئيس عن إمكانية مناقشة المخاوف الأمنية عبر وسطاء، فهو يعبّر عن واقعية سياسية، ونحن أمام مقاربة جديدة لا تقوم على الشعارات، بل على البحث عن ضمانات فعلية للاستقرار، هذا الطرح يمكن اعتباره خطوة أولى نحو دور سوري أكثر ثباتاً في المنطقة، خصوصاً مع التذكير بأنّ الأراضي السورية المحتلة ما زالت على جدول الأولويات.”
السياسة الداخلية وحصر السلاح
ويبين التيناوي، أنه لا يمكن الحديث عن مستقبل مستقر في سوريا من دون أن يكون السلاح محصوراً بيد الدولة، وتشديد الرئيس الشرع على هذه النقطة، يعكس التزاماً ببناء مؤسسات قوية وحديثة وفق المعايير الدولية، وحصر السلاح يعني إنهاء حالة الفوضى التي تثيرها الميليشيات والفلول الخارجة عن القانون، ويعني أيضاً ربط الأمن الداخلي بالازدهار الاقتصادي، فالدولة السورية تدرك أنّ الاستقرار هو الشرط الأول لأي عملية إعادة إعمار أو نمو اقتصادي.
لذلك فإنّ بناء مؤسسة عسكرية وأمنية راسخة هو الضمانة الوحيدة لوحدة سوريا وهويتها الوطنية.
حديث الرئيس الشرع، كما يقرأه المحلل علي إبراهيم التيناوي، لا يقتصر على رسائل سياسية عابرة، بل يشكّل إعلاناً عن مرحلة جديدة تتأسس على الحوار والواقعية، فبعد سنوات من الحرب، تضع سوريا قدمها على مسار مختلف، مسار السلام، والمصالحة، وبناء الدولة القادرة.
وهنا يبقى السؤال مفتوحاً، هل يلتقط الداخل والخارج هذه الإشارات، ليكون السلام السوري واقعاً لا شعاراً؟