الثورة – إيمان زرزور:
في مشهد غير مسبوق منذ عقود، شهدت دمشق عودة وفود من الجالية اليهودية السورية في الخارج، بقيادة الحاخام يوسف حمرا، ضمن مبادرة أطلقتها مؤسسة «التراث اليهودي في سوريا» (JHS) بهدف إحياء الحياة اليهودية وترميم المعابد والمقتنيات التراثية التي تمثل جزءاً من الذاكرة الوطنية السورية.
هذه الزيارات، التي تلت سقوط نظام الأسد، تحمل أبعاداً تتجاوز طابعها الديني والثقافي لتصبح منصة سياسية ورمزية تعيد تعريف العلاقة بين الدولة السورية وجميع مكوناتها، فالوفود التي شاركت في الرحلة الأخيرة ضمّت رجال أعمال بارزين، مثل هنري حمرا، الذي عبّر في لقاءاته مع أعضاء الكونغرس الأميركي عن رغبته في «العودة إلى الوطن»، ويؤكد هذا أن سوريا جزء من هويته مهما طال المنفى.
الجولة شملت مواقع دينية وتاريخية مثل كنيس جوبر المدمر ومقبرة يهودية قديمة، وسط تسهيلات رسمية كاملة من الحكومة السورية، في إشارة واضحة إلى استعداد الدولة لحماية تراثها الديني المتنوع، وإعادة دمج مكوناتها الاجتماعية.
الزيارة من شأنها إيصال رسالة سياسية إلى واشنطن والعواصم الغربية بأن الحكومة السورية الجديدة تسعى إلى شراكة وطنية تتجاوز الانقسامات السابقة، وتفتح الباب أمام مصالحة شاملة، هذا المعنى أكده أيضاً الحاخام يوسف حمرا بقوله:
إن الهدف هو «إغلاق صفحة الماضي بكرامة، واستعادة جزء من الذاكرة الوطنية التي جمعت السوريين بمختلف أديانهم لقرون طويلة».
ولعل دعم شخصيات يهودية أميركية من أصول سورية لحكومة الرئيس أحمد الشرع، ومطالبتها العلنية برفع العقوبات وشطب سوريا من قوائم الإرهاب، يمنح هذه المبادرات بعداً عملياً يمكن أن يترجم إلى قنوات ضغط لصالح سوريا في واشنطن، ويعيد بناء الثقة بين الحكومة والجاليات السورية في الخارج.
في الإعلام الغربي، يُنظر إلى هذه التحركات كإشارة على أن سوريا الجديدة لا تكتفي بالحديث عن التسامح بل تسعى لتجسيده، ومشاركة شخصيات يهودية ومسلمة معاً في زيارة رسمية لمواقع تراثية في دمشق ترسل رسالة قوية بأن الدولة باتت تسعى لاحتضان جميع أبنائها على اختلاف انتماءاتهم الدينية والثقافية، وأنها مستعدة للتعاون مع المجتمع الدولي على أساس جديد من الشراكة والانفتاح.
إذا نجحت دمشق في البناء على هذه المبادرات وتقديم ضمانات حقيقية لحماية التعددية الدينية، فإن زيارات الجالية اليهودية قد تصبح بوابة لاختراق دبلوماسي يساعد في كسر الحصار السياسي والاقتصادي، ويمهّد لمرحلة جديدة من إعادة الإعمار واستعادة مكانة سوريا كدولة متعددة الهوية ومتصالحة مع تاريخها.