الثورة:
التقى الرئيس أحمد الشرع نظيره الأميركي دونالد ترامب خلال حفل الاستقبال الرسمي الذي أقامه البيت الأبيض على هامش أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بحضور السيدة الأولى ميلانيا ترامب.
وجاء اللقاء مع ترامب بعد جولة مكثفة للرئيس الشرع مع قادة عرب وغربيين، في حين ذكرت «رويترز» أنه الاجتماع الثاني بينهما بعد لقاء سابق في العاصمة السعودية الرياض في مايو/أيار الماضي، وهذا اللقاء عكس مستوى جديداً من الانفتاح في العلاقات السورية-الأميركية بعد سنوات طويلة من القطيعة، وأشار إلى رغبة دمشق في فتح صفحة مختلفة مع واشنطن والعالم.
خطاب الشرع أمام الأمم المتحدة: من المأساة إلى النصر وسبق اللقاء خطاب تاريخي ألقاه الرئيس أحمد الشرع أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة حمل طابعًا وجدانياً وسياسياً في آن معاً، قدّم فيه «الحكاية السورية» كما وصفها، من المعاناة إلى الانتصار، ومن الثورة إلى إعادة البناء.
أكد فيه الشرع أن ما حدث في سوريا لم يكن مجرد نزاع داخلي بل «صراع بين الخير والشر، بين حق ضعيف وباطل قوي»، مستعرضاً جرائم النظام السابق من قتل واغتصاب وتعذيب وتهجير، واستخدام الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة وإثارة الفتن الطائفية، حتى تحوّلت البلاد إلى مسرح لميليشيات أجنبية قُتل فيه نحو مليون إنسان وهُجّر أكثر من 14 مليوناً.
وأشار إلى أن الشعب السوري، بعد سنوات الصبر والحرمان، نظم صفوفه وخاض مواجهة حاسمة أسقطت منظومة قمع عمرها ستة عقود، وحقق «نصراً لا ثأر فيه ولا عداوة» أعاد الحق للمظلومين والمعذبين والمهجرين.
توقف الرئيس عند الإجراءات المتخذة منذ سقوط النظام السابق، موضحاً أنه تم تشكيل لجان لتقصي الحقائق ومنح الأمم المتحدة الإذن بالتحقيق، وإطلاق هيئة وطنية للعدالة الانتقالية وأخرى للمفقودين، مع التعهد بإحالة كل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء إلى القضاء.
كما أكد التوجه نحو انتخابات المجلس التشريعي وإعادة هيكلة المؤسسات المدنية والعسكرية وفق مبدأ «حصر السلاح بيد الدولة».
حذّر الشرع من التهديدات الإسرائيلية المستمرة منذ ديسمبر 2024 ومحاولات استغلال المرحلة الانتقالية لإثارة الفوضى، داعيًا المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب سوريا في مواجهة هذه المخاطر واحترام سيادتها ووحدة أراضيها، ومعلناً التزام دمشق باتفاق فض الاشتباك لعام 1974 وتفضيلها الحوار والدبلوماسية على التصعيد العسكري.
أوضح الرئيس أن حكومته وضعت منذ سقوط النظام سياسة واضحة الأهداف تقوم على الدبلوماسية المتوازنة والاستقرار الأمني والتنمية الاقتصادية، فتم تعديل قوانين الاستثمار وبدأت كبرى الشركات الإقليمية والدولية دخول السوق السورية للمساهمة في إعادة الإعمار.
وطالب برفع العقوبات بشكل كامل حتى لا تبقى أداة لتكبيل الشعب السوري. وشدد الشرع على أن سوريا اليوم تؤسس لدولة جديدة عبر بناء مؤسسات وقوانين تكفل حقوق جميع المواطنين بلا استثناء، لتكون «دولة القانون التي تحمي الجميع وتضمن الحريات»، وتطوي صفحة الماضي البائس، وختم خطابه مستشهداً بالآية القرآنية «وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» إيذاناً بمرحلة جديدة عنوانها انتصار الحق على الباطل.
وجّه الرئيس الشكر إلى الدول والشعوب التي وقفت مع الشعب السوري، مثنياً على تركيا وقطر والسعودية والدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن زيارته الحالية إلى الولايات المتحدة هي الأولى لرئيس سوري منذ ستة عقود، معتبراً أنها خطوة مفصلية لعودة سوريا إلى المجتمع الدولي واستعادة دورها في استقرار المنطقة والعالم.
وأكد الشرع أن الألم الذي عاشته سوريا لا تتمناه لأحد، قائلاً: «نحن أكثر الشعوب التي تشعر بحجم معاناة الحرب والدمار، لذا فإننا ندعم أهل غزة وأطفالها ونساءها، وباقي الشعوب التي تتعرض للانتهاك والاعتداء، وندعو لإيقاف الحرب فوراً».
وختم بأن «الحكاية السورية لم تنته بعد، فهي مستمرة في بناء فصل جديد من فصولها عنوانه السلام والازدهار والتنمية».
يكتسب اللقاء الذي جمع الرئيس أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في نيويورك بعداً رمزياً وسياسياً كبيراً، كونه ثاني مواجهة مباشرة على هذا بين رئيسي البلدين، ويؤشر إلى انتقال العلاقات السورية الأميركية من مرحلة القطيعة إلى مرحلة بناء جسور جديدة بين البلدين.