الثورة – إيمان زرزور
شهدت محافظة درعا حفل تكريم 2200 من حفظة القرآن الكريم، تحت عنوان “حفاظ النصر” كإشارة واضحة إلى تحوّل اجتماعي وروحي في الجنوب السوري بعد سنوات من الحرب، فدرعا التي شكّلت مسرحاً أساسياً للأحداث، تشهد اليوم حدثاً يركز على بناء الإنسان والقيم الدينية والأخلاقية، ما يعكس رغبة الدولة والمجتمع المحلي في ترميم النسيج الاجتماعي وإحياء الهوية الثقافية والدينية التي تضررت بفعل النزاع الطويل.
تضمن الحفل كلمات رسمية ودينية أبرزت دور القرآن في تربية الإنسان على الأخلاق العظيمة وتعزيز الأخوة والتعايش والسلام فخطاب وزير الأوقاف محمد أبو الخير شكري شدّد على أن من يسأل عن مستقبل سوريا فلينظر إلى هؤلاء الحفظة، مؤكداً أن القرآن مازال عزاً لهذه الأمة وتشريفاً لها. هذا الخطاب يعكس توجه وزارة الأوقاف نحو بناء الإنسان بالتوازي مع إعادة إعمار الحجر، ما يعزز فرص استقرار مجتمعي طويل الأمد.
كذلك حضور وفود من دول عربية مثل الكويت والسعودية ولبنان، إلى جانب شخصيات دينية، أضفى على الحفل بُعداً وطنياً وإقليمياً، والرسالة الموجهة للعالم هي أن الجنوب السوري، الذي كان يوماً بؤرة نزاع، بات اليوم منصة للعلم والدين والتربية الأخلاقية، وأن المجتمع السوري رغم الجراح مايزال قادراً على إنتاج أجيال من حفظة القرآن، ما يعني أن إعادة البناء لا تتوقف عند البنية التحتية بل تشمل القيم والهوية.
تكريم هذا العدد الكبير من حفظة القرآن يشير إلى أن إعادة الإعمار في سوريا لم تعد مجرد مشروع هندسي، بل مشروع حضاري متكامل يبدأ من الإنسان، فالحافظ لكتاب الله ليس مجرد متعلم للنصوص بل حامل لقيم أخلاقية تشكل أساساً للمواطنة الصالحة والسلوك المجتمعي السليم، وهو ما تحتاجه البلاد في مرحلة المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية.
ويقدم الاحتفاء بحفظة القرآن في درعا للعالم صورة مغايرة عن سوريا ما بعد الحرب: مجتمع متماسك يستعيد ثقته بنفسه وبقيمه، ودولة تسعى إلى تعزيز التعليم الديني المعتدل والتعايش كوسيلة لإعادة بناء الهوية الوطنية، إنه حدث يربط بين النصر العسكري والنصر الأخلاقي والروحي، ليؤكد أن سوريا الجديدة لا تبنى بالسلاح فقط، بل بالقيم والعلم والعمل الصالح.