الثورة – ثورة زينية:
مع انطلاق المرحلة الأولى من مشروع صيانة وتأهيل الطرق الرئيسة في العاصمة دمشق، بدأت ورشات مديرية الصيانة أعمالها اليوم في شارع بغداد، أحد الشوارع المركزية الأكثر ازدحاماً في المدينة، إذ باشرت آلات القشط بالدوران لإزالة طبقات الإسفلت القديمة تمهيداً لفرش طبقة جديدة.
واللافت أن المحافظة على الرغم من إطلاق المشروع، لم تنشر حتى الآن أي جدول زمني معلن يوضح مراحل العمل أو المناطق المستهدفة لاحقاً، ما يفتح الباب أمام الكثير التساؤلات والتأويلات، ويطرح تساؤلاً مشروعاً عن معايير توزيع الخدمات العامة في مدينة بحجم العاصمة دمشق.
في حديثه مع “الثورة” عبر اتصال هاتفي يبرر مصدر في محافظة دمشق بدء الأعمال من الشوارع المركزية باعتبارها أكثر ازدحاماً وتأثيراً على الحركة المرورية، لكن هذا التبرير لا يقنع كثيرين، خصوصاً من يقطنون في الأحياء الطرفية الذين يرون في هذا المنطق تهميشاً لمناطقهم التي تزداد معاناتها عاماً بعد عام من دون أن تندرج ضمن خريطة الأولويات التي تعتمدها محافظة دمشق في خططها السنوية.
انعدام التوازن

الخبير في شؤون التخطيط الحضري المهندس ماجد السواح، أكد أن ما تعلنه المحافظة من خطط لتأهيل البنية الطرقية يصطدم على الأرض بحالة من انعدام التوازن في التوزيع الجغرافي لأعمال الصيانة، إذ يبدو أن الاهتمام يمر دائماً من حيث تسلط الأضواء وتوجد الأحداث والمناسبات ويغيب تماماً عن الأماكن التي لا تصلها عدسات الكاميرا والمواكب الرسمية.
ويشدد أنه على الرغم من أهمية انطلاق المشروع وضرورته الملحة، إلا أن توقيته يثير كثيراً من التساؤلات، فالبدء بأعمال القشط وإعادة التزفيت في بداية تشرين الثاني أي على أبواب فصل الشتاء يضع علامات استفهام كبيرة حول قدرة الورشات على إتمام العمل قبل دخول الأمطار والعوامل الجوية التي قد تعيق التنفيذ وتؤثر على جودة الإسفلت.
ويضيف المهندس السواح: من المعلوم أن أعمال التزفيت تتطلب ظروفاً مناخية مستقرة لضمان التماسك بين الطبقات، ما يعني أن كل يوم تأخير قد يكون مكلفاً ليس فقط على صعيد الجدول الزمني، بل أيضاً على صعيد كفاءة العمل وجودته، وهنا يبرز سؤال آخر: هل أُنجزت الدراسات الفنية قبل تحديد توقيت المشروع؟ أم إن الصيانة تطلق كرد فعل موسمي أكثر منها خطة مدروسة سلفاً؟.
لا يوجد تقييم حقيقي
وحتى اللحظة يرى الخبير السواح، أن المواطن لم يلمس وجود لجان مستقلة تراقب جودة تنفيذ هذه المشاريع ولا يوجد تقييم حقيقي للأحياء الأكثر تضرراً، فيما تؤكد التجارب السابقة أن كثيراً من الطرق التي أُعيد تزفيتها، سرعان ما عادت للتشقق بعد موسم مطر واحد ما يعيدنا إلى المربع الأول، ليس فقط في الحاجة إلى صيانة الشوارع بل في صيانة مفهوم الإدارة ذاتها.
وختم حديثه: ربما آن الأوان لأن يعاد النظر في آلية إدارة المشاريع الخدمية بعيداً عن مبدأ الأقرب فالأقرب، وأن يعامل كل حي وكل شارع في دمشق كجزء متساوٍ من جسد المدينة لا كأطراف هامشية يمكن تأجيل معاناتها.
وفي حديث مع أحد سائقي سيارات الأجرة، رامي السعيد قال: شوارع دمشق صارت درجات كلما اقتربت من مركز المدينة اختفى الاهتزاز من مقود السيارة وكلما ابتعدت، بدأت تحسب تكلفة الصيانة قبل أن تصل إلى بيتك، ويرى أن تحسين الطرق يدار بعقلية انتقائية لا وفق رؤية شاملة تخدم المدينة بكاملها.
تبقى صيانة الطرق من أهم الخدمات اليومية التي يشعر بها المواطن بشكل مباشر، وهي مؤشر حقيقي على عدالة التنمية داخل المدينة، وإذا كانت المحافظة تبذل جهداً مشكوراً في المركز، فإن الاهتمام بالأطراف لا يقل أهمية بل هو جزء من العدالة الخدمية المطلوبة.