“الطلاق”.. ظاهرة متنامية تهدّد الأسرة والمجتمع.. كيف نواجهها؟

الثورة – فردوس دياب:

باتت معظم الجلسات والأحاديث الأسرية والاجتماعية تتمحور حول حالة طلاق هنا وأخرى هناك، إذ تتباين الأسباب، بين الخلافات الزوجية المستمرة وعدم توافق الزوجين على كثير من أمور المنزل والأسرة، وبين ضغوطات الحياة والظروف المادية والاجتماعية الصعبة، وهو الأمر الذي يهدد استقرار الأسر ومستقبل الأبناء وتماسك المجتمع.

إهانة وضرب وتدخلات

السيدة نائلة الحسين (ربة منزل وأم لثلاث بنات)، قالت لـ”الثورة”: إن أسباب طلاقها بعد سنوات من الزواج، تعود إلى معاملة زوجها السيئة، إذ يوجه لها الانتقادات والإهانات بشكل متكرر حتى وصلت به الأمور إلى الضرب، بالإضافة إلى تدخل أهله في كل تفاصيل حياتها، حتى وجدت نفسها في جحيم يومي، ورغم محاولاتها إصلاح العلاقة والتفاهم معه، لكن من دون جدوى، عندها حسمت الأمر وقررت الطلاق، كونه بات بحسب رأيها خيارها وخلاصها الوحيد من الخوف والإهانة والضرب.

أما السيدة نورا الغريواتي (موظفة وأم لطفلين)، فقد روت بدورها تجربتها الزوجية المريرة: “أعيش مع زوجي في بيت أهله وأتعرض باستمرار للمضايقات من والدته، وفي إحدى المرات تركت المنزل وعدت إلى بيت أهلي، لأتفاجأ أنه بعد أسبوع فقط تزوج من امرأة أخرى، عندها أيقنت أن الانفصال هو الحل الوحيد.

من جهته ذكر إبراهيم (أب لولدين وبنت)، أنه بعد تسع سنوات من الزواج، أصبحت العلاقة بيني وبين زوجتي صعبة جداً بسبب كثرة الخلافات، وعلى أتفه الأسباب، حتى أصبحنا كالغرباء في المنزل، فقررت الانفصال عنها وترك المنزل لها وللأطفال.

الظروف المادية

وحول أسباب تفشي هذه الظاهرة وآثارها وكيفية علاجها، التقت “الثورة” الدكتورة مها فطيمة من كلية التربية في جامعة دمشق، موضحة أن البيئة التي نشأ فيها الزوجان تلعب دوراً محورياً كبيراً في قابلية الزواج للاستمرار أو الانهيار، كما أن العامل المادي، يأتي في مقدمة أسباب الطلاق، بالإضافة إلى ضعف الوعي في بناء مؤسسة الزواج، والتفاوت في المستوى الثقافي والاجتماعي بين الطرفين، فعندما تكون الزوجة أعلى تحصيلاً أكاديمياً أو اجتماعياً من الزوج، تنشأ لديه الغيرة باللاوعي، ويحاول بشتى الوسائل إحباطها أو التقليل من شأنها، للحفاظ على تفوّقه الذكوري، وهو ما يؤدي تدريجيًا إلى تصدع العلاقة.

وبحسب د. فطيمة، فإن تدخل الأهل من الجانبين يلعب أيضاً دوراً خطيراً في تسريع وتفجير المشكلات الزوجية، خاصة عندما يقلل أهل الزوج من زوجته ويقومون بإظهار عيوب لا يراها الزوج في زوجته، كالتقليل من جمالها، وأخلاقها، ونظافتها، حتى يدبّ الخلاف والشقاق ويبدأ بالبحث والتمحيص عن أخطائها غير الموجودة، أما من جهة أهل الزوجة فيقومون بتحريضها وتشجيعها على تحديه وعدم إطاعته وتكليفه فوق طاقته، والطلب منه أن يضعها في المنزلة التي كانت فيها في بيت أهلها، لاسيما إذا كان محدود الدخل وكانوا أهلها أغنياء، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى زيادة الفجوة بين الطرفين والطلاق.

الأبناء هم الضحية

وأكدت أن الآثار النفسية للطلاق، لا تقتصر على الزوجين فحسب، بل تمتد لتطال الأطفال والمجتمع بأسره، فمن ناحية الزوجة المطلقة، فهي غالباً ما تعاني من انهيار نفسي وشعور بالنبذ الاجتماعي، كما يحاول بعض الرجال استغلالها وجرها إلى الرذيلة، أما عن أهلها فتصبح بنظرهم فاشلة والتقليل منها، أما عن آثارها من ناحية الأطفال والأبناء فهي شعورهم بالنقص بسبب حرمانهم العاطفي، لأنهم سيعيشون مع أحد الوالدين، إذ لا يمكن لأي منهما أن يعوض مكان الآخر، وفي بعض الحالات يتخلى الوالدان عنهما، وتتولى الجدة التربية، وهنا تكون الكارثة الحقيقية، فالنتيجة تكون خلق أطفال ضعاف داخلياً، مقهورين لا يمتلكون الثقة بالنفس ولا بالآخرين، ومدمرين بالمعنى الحقيقي، واندماجهم بالمجتمع ضعيف واختلاطهم بالآخرين محدود، وتفاعلهم الاجتماعي يكون بحذر شديد، فهم يفتقدون الجرأة، بالإضافة إلى أن تحصيلهم الأكاديمي أو الدراسي متدنٍ.

التقارب العمري والثقافي

وبينت أن أهم الحلول لهذه الظاهرة، يبدأ من الوعي الأسري قبل الزواج، واختيار الشريك المناسب من حيث التقارب العمري والمستوى الفكري والاجتماعي والمادي، أي أن الفارق العمري المثالي لا ينبغي أن يتجاوز ثماني سنوات، إضافة إلى أهمية الحوار والاحترام المتبادل، وعدم إدخال الآخرين في تفاصيل الحياة الزوجية، واختيار البيئات المتقاربة بين الزوجين من ناحية العادات والتقاليد والثقافة، وتنشئة الأبناء على تحمل المسؤولية سواء أكان ذكراً أم أنثى كل في موقعه، وأيضاً أن يحاول كل من الزوجين احتواء بعضهما، وعدم إخراج أسرار بيتهما للعلن، والتغاضي عن الأخطاء وتجاوزها، وعلى الرجل أن يمنح الثقة كاملة للمرأة، ويشعرها بكيانها ويشجعها لتكون في المواقع الأولى، وأن يشبع احتياجاتها من جميع النواحي، لأن سعادتها وراحتها ستعطي نتائج مرضية تنعكس مباشرة على هذا البناء المتكامل، الأسرة، التي لاتعد الوحدة الأولى في المجتمع فقط، بل هي أساس المجتمع.

وختمت د. فطيمة بالقول: إن استماع الزوجين لبعضهما، هو جوهر الاهتمام، وهو الطريق لحل الخلافات، وتوليد الفهم والإدراك ولكن إن وجد طرف غير قابل للتغير ووصل لمرحلة يقتنع فيها أحدهما أن البقاء مؤلم أكثر من الرحيل، والمحاولات كلها بائت بالفشل يفضل الانفصال، ذلك أن تفاقم معدلات الطلاق يشكل جرس إنذار للمجتمع بأسره، إذ إن استقرار الأسرة لا ينفصل عن استقرار المجتمع وتماسكه.

ومن هنا يجب القول: إن مواجهة هذه الظاهرة ليست مسؤولية فرد أو مؤسسة بعينها، بل مسؤولية جماعية تستدعي تضافر الجهود لإعادة الاعتبار للأسرة، وحمايتها من التفكك، وصون المجتمع من تداعيات الانقسام والاضطراب.

آخر الأخبار
الشرع يبحث مع باراك وكوبر دعم العملية السياسية وتعزيز الأمن والاستقرار العميد حمادة: استهداف "الأمن العام" بحلب يزعزع الاستقرار وينسف مصداقية "قسد" خطاب يبحث في الأردن تعزيز التعاون.. و وفد من "الداخلية" يشارك بمؤتمر في تونس حضور خافت يحتاج إلى إنصاف.. تحييد غير مقصود للنساء عن المشهد الانتخابي دعم جودة التعليم وتوزيع المنهاج الدراسي اتفاق على وقف شامل لإطلاق النار بكل المحاور شمال وشمال شرقي سوريا تمثيل المرأة المحدود .. نظرة قاصرة حول عدم مقدرتها لاتخاذ قرارات سياسية "الإغاثة الإسلامية" في سوريا.. التحول إلى التعافي والتنمية المستدامة تراكم القمامة في مخيم جرمانا.. واستجابة من مديرية النظافة مستقبل النقل الرقمي في سوريا.. بين الطموح والتحديات المجتمعية بعد سنوات من التهجير.. عودة الحياة إلى مدرسة شهداء سراقب اتفاقية لتأسيس "جامعة الصداقة التركية - السورية" في دمشق قريباً ليست مجرد أداة مالية.. القروض المصرفيّة رافعةٌ تنمويّةٌ بعد غياب أربعة أيام.. التغذية الكهربائية تعود لمدينة جبلة وريفها حدائق حمص خارج الخدمة.. والمديرية تؤكد على العمل الشعبي سوريا في صلب الاهتمام والدعم الخليجي - الأوروبي كوينتانا: معرفة مصير المفقودين في سوريا "مسعى جماعي" العمل عن بعد.. خطوة نحو إدارة عصريّة أكثر مرونة "كوتا" باردة في مشهد ساخن.. كيف غابت النساء عنه؟ مشاريع جديدة للطاقة المتجددة.. بين الطموح والقدرة على التنفيذ