الثورة – ماجدة إبراهيم:
رغم الزيادة الكبيرة في الرواتب التي بلغت 200 بالمائة في الفترة الأخيرة، إلا أن هذا التحسن لم ينعكس بالشكل المطلوب على الحياة اليومية للمواطن السوري، إذ مازالت القدرة الشرائية تحت وطأة التضخم المستمر وارتفاع الأسعار، مما يجعل الأجور غير كافية لمجابهة احتياجات العائلات الأساسية.
ومع ذلك، يستمر القطاع العام في تحديد الزيادة في الرواتب، من دون الأخذ في الاعتبار التفاوت الكبير بين الزيادة في الأجور والواقع المعيشي، مما يؤدي إلى بقاء العديد من الأسر تحت خط الفقر.

وفي تصريح لـ”الثورة” بين الخبير الاقتصادي الدكتور زياد عربش، أن السبب في الأزمة الاقتصادية لا يتعلق فقط بضعف الرواتب، بل أيضاً بكيفية إدارة الأموال التي دخلت البلاد بعد التحرير، فكثير من هذه الأموال جُمّدت في استهلاك سلع فاخرة وغير منتجة، مثل السيارات التي غزت الأسواق، هذه الأموال لو كانت استُثمرت في مشاريع صناعية أو زراعية لتوفرت فرص عمل حقيقية، ولشهد الاقتصاد السوري بعض الانتعاش.
وأضاف: في اقتصاد يعتمد على الإنتاج، لا يمكن للاستهلاك وحده أن يضمن النمو، ولكن للأسف، لم يتم توجيه هذه الأموال إلى المشاريع التي تساهم في التنمية المستدامة، فعلى سبيل المثال، في قطاع الزراعة، هناك تراكمات من المشكلات التي لم تُعالج.. الأرض لم تُستصلح بالشكل الكافي، والمشاريع الزراعية بالكاد تسد احتياجات السوق المحلية، في حين يعاني هذا القطاع من نقص في الدعم والتمويل، فضلاً عن تدهور البنية التحتية التي تفتقر إلى التجديد والتطوير.
أما على مستوى الصناعة، فبين الدكتور عربش أنه على الرغم من الحديث عن إعادة إحياء المصانع المتضررة من سنوات الحرب، فإن العديد من المصانع الكبرى لاتزال متوقفة أو تعمل بنصف طاقتها الإنتاجية، فغياب الاستثمارات الضرورية في المعدات والتقنيات الحديثة أبقى القطاع الصناعي في حالة جمود، مما أضاف عبئاً ثقيلاً على الأيدي العاملة التي تظل من دون فرص تشغيل حقيقية.
ولفت إلى أنه لو تم ضخ الأموال في هذا القطاع، لكانت ساهمت في توفير آلاف الوظائف، ورفعت من مستوى الإنتاج المحلي، وبالتالي دعم الاقتصاد الوطني بشكل مباشر، وأن مشاريع الإعمار التي طال انتظارها لم ترَ النور بالشكل المطلوب

وأشار الدكتور عربش إلى أنه على الرغم من العروض والمشاريع التي وعد بها القطاع الخاص والعام، إلا أن التقدم في هذا المجال لايزال بطيئاً جدا لو أُنفقت الأموال المخصصة للإعمار في مشاريع بنية تحتية ضخمة، لتمّ تشغيل مئات الآلاف من المهندسين والعمال والعمالة الماهرة، الأمر الذي كان سيخلق دورة اقتصادية إيجابية، ويخفف من معدلات البطالة المرتفعة، هذه المشاريع، لو نفذت، كان من الممكن أن تكون نقطة انطلاق لإنعاش قطاعات واسعة من الاقتصاد الوطني.
كما أكد الخبير الاقتصادي عربش أن مجرد رفع الرواتب لا يكفي لضمان تحسن اقتصادي، إذ لابد من وجود سياسات اقتصادية شاملة تهدف إلى ضبط الأسعار، وتنشيط القطاعات المنتجة مثل الصناعة والزراعة، وتقديم الدعم المباشر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
كما يتطلب الأمر إعادة بناء الثقة في العملة الوطنية عبر خطة نقدية محكمة تديرها الدولة وفي غياب هذه السياسات المتكاملة.
تبقى الزيادة في الرواتب غير مرضية في وقت يعاني فيه المواطن السوري من ظروف معيشية صعبة في اقتصاد متهالك مثقل بالتحديات.