الثورة – همسة زغيب:
في السابع من تشرين الأول من كل عام، يقف الفلسطينيون أمام مرآة التاريخ ليعيدوا قراءة ذاكرتهم الجماعية من خلال يوم التراث الفلسطيني، الذي تحوّل إلى مناسبة وطنية تُجسّد ارتباط الإنسان الفلسطيني بأرضه وهويته.
التراث فعل مقاومة
يؤكد المهندس المعماري والباحث في التراث أمين صعب لـ”الثورة” أن يوم التراث الفلسطيني ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل هو فعل مقاومة ثقافية، واستعادة واعية لروح الأرض والإنسان.
ويشير إلى أن التراث الفلسطيني يشكّل منظومة متكاملة من القيم والعادات والممارسات التي أسّست هوية الشعب عبر العصور. ولا يقتصر التراث على المظاهر المادية كالحرف اليدوية والعمارة والأزياء، بل يشمل الأغاني والأهازيج والحكايات الشعبية، لأنها تعبّر عن تفاعل الإنسان مع بيئته وتاريخه.
يرى صعب أن التراث ليس ماضياً يُروى فحسب، بل هو حاضر يُعاش ومستقبل يُبنى، فكل عنصر من عناصره يحمل في طياته رسالة صمود في وجه محاولات الطمس والتهويد.
رمزية موعد الاحتفال
ويُوضح صعب أن نقل موعد الاحتفال من آب إلى تشرين الأول لم يكن قراراً إدارياً فقط، بل يحمل دلالة رمزية ترتبط بموسم قطف الزيتون، الذي يُعدّ من أبرز رموز الثقافة الفلسطينية، فالزيتون، كما يقول، شجرة الذاكرة وجذر الهوية، وعلامة على الخصوبة والاستمرارية.
يشيد صعب بدور المؤسسات التعليمية والثقافية في إحياء يوم التراث الفلسطيني عبر المعارض والندوات والعروض الفلكلورية، وورش العمل التي تُعرّف الأجيال الجديدة بفنون التطريز والفخار والنسيج.
ويؤكد أن هذه الفعاليات لا تُعيد إنتاج التراث فحسب، بل تُعيد توطينه في الوعي الجمعي وتُرسّخ قيم الانتماء والاعتزاز بالهوية.
تحديات مستمرة
وفي حديثه عن التحديات، يُشير صعب إلى أن التراث الفلسطيني يواجه محاولات ممنهجة للسرقة والطمس من قبل الاحتلال، الذي يسعى إلى نسب الرموز الثقافية الفلسطينية إلى ثقافات أخرى.
كما يلفت إلى ضعف التوثيق، وتراجع الحرف التقليدية أمام العولمة، وقلة الموارد المخصصة لحماية التراث، خاصة في المناطق المهمشة.
ورغم ذلك، يثمّن الباحث المبادرات الشبابية والمؤسسية التي تسعى إلى الحفاظ على التراث، ويعتبرها بارقة أمل في مسيرة حماية الهوية الوطنية.
ذاكرة لا تُمحى
يؤمن صعب أن التراث الفلسطيني ذاكرة جماعية حية تُجسّد روح الصمود، وأن كل تطريزة، وكل أغنية، وكل أداة زراعية قديمة، تُعدّ شهادة على الوجود الفلسطيني، ودليلاً على أن هذا الشعب يملك ذاكرة لا يمكن اقتلاعها.
يختتم صعب حديثه بدعوة مفتوحة لكل فلسطيني، في الداخل والشتات، إلى حمل تراثه كراية، وتوريثه للأجيال القادمة، لأن الحفاظ على التراث هو تجديد للعهد مع الأرض، وتأكيد أن الهوية لا تُمحى، وأن الذاكرة جسر يصل الماضي بالحاضر، ويُنير طريق المستقبل.