الثورة -علاء الدين محمد:
شارك عدد من الكتاب والشعراء والمهتمين بالشأن الثقافي والأدبي في الجلسة الثالثة والعشرين من جلسات الصالون الأدبي التي جاءت بعنوان “كيف نقرأ الشعر ..؟”، وأقيمت مساء اليوم في المركز الثقافي العربي بالمزة، وأدارها الدكتور إبراهيم منصور.
وفي تصريح لصحيفة “الثورة” قال الدكتور غدير إسماعيل: إن الشعر يقرأ من وجوه عدة وكلها تصب في مصلحة الفهم الكلي، لأن كل قراءة تخدم النص من جهة وتهدم ما قبلها من معان لتنشئ معانياً جديدة في دائرة تأويل مستمر.
مشيراً إلى أن الجلسة تتناول القضية العامة المتعلقة بقراءة الشعر وآليات فهمه، مع محاولة إجراء تطبيق على قصيدة شعرية منتقاة للشاعر قاسم فرحات.
وأضاف أن هذه الجلسات الفكرية تغني الفهم الثقافي للمجتمع وتشارك في رفع سوية الوعي الاجتماعي لأن الوطن بحاجة للثقافة في هذه المرحلة الانتقالية باتجاه بناء سورية الجديدة.
أما الشاعرة عائشة بريكات فأكدت أن الشاعر هو القارئ الأول لأحلامه وحبره، ومهما بلغ أي قارئ آخر أو ناقد من الحنكة والاطلاع لن يصل إلى حيث خيال الكاتب لحرفه، فالشاعر يكتب ليُفسّر نفسه، قبل أن يفسّر العالم، والكلمة التي تخرج من الشاعر أولاً تتحدث إليه.
والقراءة تبدأ من الذات، ثم تنفتح على الآخر.
مؤكدة أن الثقافة عدسة الشاعر، يرى من خلالها العالم، ثم يدخله في آلته الإبداعية ليخرجه مدهشاً للناس، يحمل فكرة وأسلوباً ودهشة، وفي كل بيت شعر هناك مسافة بين ما يقال وما يُفهم.
في حين أوضح الدكتور طارق العريفي أن قراءة الشعر ليست فعلاً لغوياً عادياً، بل هي دخول إلى عالم من الإيقاع واللغة والخيال، فالشعر يختزن المعاني في أقل عدد من الكلمات، ويخفي وراء صوره عوالم متعددة من الدلالة والانفعال، لذلك يحتاج قارئه إلى مهارة خاصة تختلف عن قراءة النثر والأخبار.
وأشار إلى أنه يحاول رسم ملامح منهج فعال يساعد على قراءة الشعر قراءة واعية، تتفاعل مع جمالياته، وتكشف طبقاته الدلالية.
وأكد العريفي أن الشعر يقوم على الانزياح، أي خروج اللغة عن مألوفها إلى لغة موحية، ولذلك يجب على القارئ أن يتوقع وجود معنى مباشر وآخر خفي، ويفهم أن الصورة الشعرية ليست وصفاً حرفياً بل إيحاء، كما يدرك أن الكلمة في الشعر تُختار بعناية، تحمل ظلالاً دلالية قد تغيب عن النثر.
وفي حديثه عن “الإصغاء إلى الإيقاع” قال: الإيقاع هو أحد أهم مفاتيح الشعر، ويشمل: “الإيقاع الخارجي” البحر الشعري أو نظام التفعيلات، و”الإيقاع الداخلي” التكرار والجناس والتقفية وتوالي الأصوات.
فقراءة الشعر بصوتٍ مسموع تساعد على التقاط الإيقاع، فهم العلاقة بين الموسيقا والمعنى.
واختيار شاعر لبحر بطيء أو سريع يعكس الحالة الشعورية للنص.
وأكد العريفي أن الصورة تساعد على قراءة الشعر فهي تعد البوابة الكبرى لفهمه، يقول: “لقراءتها بوعي نطرح أسئلة مثل: ما العلاقة بين تحليل الصورة الشعرية وطرفي التشبيه أو الاستعارة؟ ماذا تضيف الصورة من إحساس أو معنى؟ هل هي صورة حسية أم ذهنية؟ لافتاً إلى أن الصورة ليست ترفاً جمالياً، بل أداة تفكير وانفعال.
وبيّن أن الشعر ابن لحظته التاريخية والاجتماعية والنفسية، وقراءة القصيدة بعيداً عن سياقها تُفقدها نصف معناها، لذلك يجب معرفة عصر الشاعر ومذهبه الشعري، ومعرفة ظرف كتابة القصيدة، والاطلاع على حياته وخبراته، وذلك كله يساعد على تفسير النص دون الوقوع في التأويل العشوائي.
فالقصيدة وحدة متكاملة، وليست أبياتاً منفصلة، لذلك عند القراءة نلاحظ: كيف يبدأ تتبّع البنية الداخلية للقصيدة، وما الفكرة المركزية؟ ما التحولات الشعورية عبر النص؟ هل هناك تصاعد، مفارقة، انكسار، خاتمة مكثفة!؟ فرسم خريطة للقصيدة يساعد على فهم منطقها الداخلي.
وأضاف أن الضمير في الشعر ليس حيادياً، وتغييره قد يقلب معنى القصيدة، وأن قراءة الشعر لا تخلو من الذائقة، فالقصيدة ليست موضوعاً علمياً فقط، بل خبرة شعورية، وأكد أن الوعي الوجداني ليس بديلاً عن التحليل، بل هو مكّمل له.
وختم العريفي بالقول: من كل ما سبق نجد أن قراءة الشعر ليست مجرد تفسيراً للكلمات، وإنما مغامرة معرفية وجمالية، فالقارئ الجيد لا يكتفي بفهم المعنى الظاهر، بل يبحث عن الإيحاء والبنية والصورة والإيقاع والعاطفة والسياق، وعندما تجتمع هذه العناصر، تتحول القراءة إلى فعل تذوق وإبداع مشترك.