ليس انغلاقاً على “الذات” بل توسّعٌ لها

الثورة – لميس علي:

هل يمكن وصف حبّنا بأنه حقيقي وأخلاقي سامٍ، كلّما كان خالياً من شوائب العنف؟ فمظاهر العنف متعدّدة ومتشعّبة، وقد تتبدّى بأشكالٍ وسلوكياتٍ غير مباشرة في أوقات كثيرة. ولهذا يغدو اللاعنف مقياساً عملياً ويومياً لاختبار الحبّ. – الحبّ فعل وعيٍ لا عاطفة سلبية فالحبّ الذي يُفرض أو يُسيء هو حبّ ناقص، ليس نقيضاً للعاطفة، بل للوعي الأخلاقي. وكلّما قلّ العنف والقسوة في علاقاتنا مع الآخر، ارتقى مستوى الحبّ الحقيقي داخلنا ونما.

في كتابه “فنّ الحب” تحدّث إريك فروم عن كون الحبّ فعلاً يُعطى لا يُؤخذ، فهو ليس انغلاقاً على الذات، بل توسّعٌ لها. وكأنّ الحبّ حين يدخل دائرة الأخذ أكثر من انتمائه إلى حالة العطاء، يُصاب بشيءٍ من التشوّه الداخلي، لأنه لا يخلو حينها من قسوةٍ أو عنفٍ ولو كانا غير مباشرين.

تولستوي: “الحبّ امتناعٌ عن فرض الإرادة في مفهوم اللاعنف”، تحدّث الروائي ليف تولستوي عن كون الحبّ يقوم على كفّ الإرادة، أي الامتناع عن فرض الذات، إنّ نحبّ يعني أن نكفّ عن السيطرة، وألّا نُخضع الآخر لرغباتنا، فكلّ محاولة لفرض الإرادة هي بذرة عنف. هنا يتقاطع مفهوم تولستوي مع ما قاله إريك فروم حين رأى أن الحبّ فعلُ عطاءٍ لا تملّك، فجوهر الحبّ هو المحافظة على حرية المحبوب، والحبّ فعلٌ، وليس عاطفةً سلبية. إنه وقوفٌ في الحبّ، لا سقوطٌ عاطفي، وبأعمّ معنى يمكن وصف طابعه الفعّال بالقول إن الحبّ هو قبل كل شيء عطاءٌ لا تلقٍّ. فكلّ حبٍّ يحاول الامتلاك أو الإلغاء أو التحكّم يجرّ في طيّاته عنفاً مستتراً وقسوةً مبطّنة.

 العطاء كقوّة داخلية

على هذا النحو، ينمو الحبّ لدى فروم ليغدو نشاطاً إنسانياً فعّالاً قائماً على المنح واحترام حرية الآخر، وهو بالضبط ما عبّر عنه تولستوي بكون الحبّ فعلاً من الوعي والمسؤولية، لا انفعالاً أو امتثالاً أعمى. فقد تحدّث عن جوهر عدم مقاومة الشرّ بالشرّ بما يتضمّنه من قدرة على كبح الأذى عن الآخر، وامتناعٍ إراديٍّ ذاتيٍّ عن ممارسة العنف. إنه حبٌّ يتجلّى في ضبط القوّة لا في إطلاقها، كلاهما، فروم وتولستوي، يرى أن الحبّ الحقيقي الناضج والواعي يتجسّد في القدرة على ضبط الرغبة في الهيمنة، مهما كانت أشكال تلك الرغبة أو الهيمنة، وذلك عبر تحويل الطاقة الداخلية إلى وعيٍ رحيمٍ يرفض الإيذاء، في فعل العطاء أعبّر عن حيويتي، وقوّتي، وثروتي، العطاء يجعلني أشعر بالقوّة وبالحياة.” إريك فروم”. -الحبّ، الأخلاق، واللاعنف ثمة علاقةٌ ثلاثيةُ الأوجه تتمثّل في الربط بين الحبّ، والقوّة الأخلاقية الداخلية، والامتناع عن العنف. فالحبّ هو القوّة الدافعة للعطاء بمختلف هيئاته، وهو فعلٌ نشط ومسؤول، يتجلّى – برأي فروم – في التعبير عن الحيوية والقوّة الداخلية عبر تقديم الذات للآخر. وعلى نحوٍ مشابه، يرى تولستوي أن جوهر الحبّ يتجلّى في الخدمة للآخر والامتناع عن إلحاق الضرر أو العنف بالآخرين، وهو الشكل الأسمى للحبّ الحقيقي. يقول تولستوي: قانون الحبّ يستبعد كل مقاومةٍ للشرّ بالقوّة.

 تفاهة الشرّ وغياب الوعي

العنف شكلٌ من أشكال الشرّ، وممارسته تُذكّر بمفهوم تفاهة الشرّ لدى حنا أرندت، وغالباً ما يتجلّى الشرّ في أفعالنا حين يغيب عنها الوعي العميق بضرورة الحبّ وأهميته كفعلٍ أول وشرطٍ لازمٍ للعطاء والمنح. ترى أرندت أن الشرّ ينشأ من فشل التفكير، أي من غياب الوعي. ومن هنا جاء تعبير تفاهة الشرّ، أي أن الأفعال الضارّة تحدث بلا وعيٍ أو محاسبةٍ للذات. وهو ما يتقاطع مع مفهوم تولستوي في عدم مقاومة الشرّ بالشرّ، إذ يشير إلى أن الامتناع عن العنف ليس ضعفاً، بل ممارسةٌ أخلاقية واعية تعكس قوّة داخلية. وهذا ما يذكّر بمفهوم فروم عن العطاء، بوصفه فعلاً واعياً يعبّر عن حيوية الإنسان وقدرته على التصرّف الأخلاقي.

آخر الأخبار
"الموظف العام" شريك في تحقيق التنمية خارطة جديدة لأكشاك العاصمة الكهرباء والنفط مفتاحا التعافي بلدية الذيابية تستعد للشتاء.. أعمال مكثفة رغم التحديات قطاع الشحن .. لم يستعد عافيته بعد إزالة العقوبات وحدها لا تصنع نهضةً إن لم تُرفق بإصلاحات داخلية استعادة الحقوق المصادرة.. مشهد يختصر الفارق بين دولة القانون ونظام الفساد وزير الطوارئ: قرار حظر الأسلحة الكيميائية تحول نوعي يؤكد التزام سوريا بالسلام المرأة.. بين شعارات التمكين وواقع التأثير مبادرة "السويداء منّا وفينا" تجمع السوريين حول هدف البناء البرتغال تخطف فوزاً قاتلاً بهدف من أيرلندا ورونالدو يهدر ركلة جزاء بوادر التحول... من الدبلوماسية إلى الإعمار إلغاء "قيصر" كسرَ القيد... فهل تنكسر الأسعار؟  الريال السعودي.. يعبر نحو دمشق   جسر جوي جديد يُنعش الروابط السورية- الليبية حلب تحت وطأة الغلاء.. الرواتب تتبخر والأسعار تلتهم جيوب المواطنين أغلب الأميركيين يؤيدون سحب قوات بلادهم من سوريا والعراق  مسح الأمن الغذائي لكشف جوع الأسر   استجابة طبية فورية تنقذ مرضى  مستشفى الأطفال بدمشق من الحريق  من هو السفير السعودي الجديد لدى دمشق؟