ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قــاسـم :
يبدو أن الأمين العام للأمم المتحدة لم يعد يتقن من مهامه سوى العد إلى درجة الاحتراف في انتقاء مايتوافق مع دوره الوظيفي بعد أن أبدى عجزاً في غيره وإفلاساً فيما عداه، ولم يعد أكثر من مؤشر ناطق بالرقم دون أن يكون قادراً على إعطائه ثقله السياسي داخل محاضر التقارير الدولية التي تقيّم مدى التزام الدول الأعضاء بالقرارات الصادرة عن المجلس.
فمن عدد الضحايا في سورية وغيرها.. يجول إلى عدد اللاجئين أو المهجرين أو النازحين وفق توصيفه.. وصولاً إلى عدد الإرهابيين الملتحقين بتنظيم داعش والذي ارتفع بنسبة تجاوزت السبعين في المئة في الأشهر الأخيرة عما كانت عليه في السنوات السابقة، وأخيراً وليس آخراً بأن هناك مئة دولة تزوّد داعش بالمقاتلين.
والسؤال ماذا فعلت الأمم المتحدة؟ وما هي الإجراءات التي تتخذها؟ والأخطر أين دور الأمين العام في متابعة تنفيذ ما يصدر؟ وتلك هي المعضلة!!
الأرقام قد تكون مهمة لكن ربما ليس بهذه الطريقة ولا بهذه اللغة، إذ لو أن القضية ترتبط فقط بالإحصاء والتعداد، كان بإمكان السيد كي مون أن يكون مطمئناً فقد سبقه إلى ذلك العشرات من المصادر التي تحذف وتضيف حسب موقعها ودورها، وسبق لكثير من الدول والسياسات أن انزلقت في لعبة الأرقام، وسرعان ما انسحبت بحكم الأمر الواقع أو اقتضت الضرورة تأجيل حضورها السياسي والإعلامي إلى وقت لاحق، ولا نعتقد أن بمقدوره أن يجاريها في ذلك.
فالمحسوم على سبيل المثال أنه ما دام الأمين العام يمتلك هذه المعلومات عن وجود مئة دولة تزوّد داعش بالمقاتلين، فإنه يمتلك أيضاً المعلومة ذاتها عن طريق التحاقهم، وما هي الممرات والمعابر وما هي الدول التي تجنّد كل إمكاناتها لتسهيل مرورهم؟ ويمتلك بالرقم ذاته عن عدد المعسكرات المقامة في دول الجوار السوري لتدريبهم قبل التحاقهم أو بعده، ويمتلك أيضاً المعلومة الدقيقة عن المطارات المفتوحة لاستقبالهم، وكيف تحولت بعضها لتكون قبلة أولئك الإرهابيين وإن اكتفى بتسميتهم بالمقاتلين الأجانب.
والأخطر من هذا وذاك أننا لم نسمعه يعلّق على معلومات لديه موثّقة عن أن أميركا وغيرها التي تدرّب أولئك الإرهابيين، لديها الوثائق والأدلة والجزء الأكبر متوافر لدى المنظمة الدولية ذاتها، بأن جميع من سبق أن دربتهم في الماضي وصلوا في نهاية المطاف إلى صفوف داعش والنصرة المصنفين إرهابيين وفق المنظمة وأميركا ذاتها.
ويدرك أيضاً كما تدرك أميركا وأدواتها في المنطقة أن من تدربهم الآن ومن ستدربهم مستقبلاً هم العناصر الأكثر تأهيلاً ليكونوا في صفوف داعش والنصرة وهو أمر تتفق عليه واشنطن ولم يعترض عليه السيد كي مون شخصياً، بل لم يستدع منه حتى تعليقاً على ما تقوم به أميركا وما قامت به بريطانيا وغيرها، وهو الذي سبق له أن بادر بتقديم مواقف وتصريحات في مواقع لا دور له فيها ولا حق.
فيما لم نسمع له موقفاً ولا تعليقاً على دول دائمة في مجلس الأمن دعمت وموّلت ورعَت التنظيمات الإرهابية بمختلف تسمياتها، وهي اليوم ترفع راية داعش والقاعدة وتتبنى وجهة نظر النصرة وتصفق لما تحققه تلك التنظيمات من مكاسب جرمية إضافية ومجازر على الأرض السورية، ولم نسمع منه تفسيراً لكيفية وصول الآليات المجنزرة والمدرعات والذخائر من كل الأنواع والأصناف لتلك التنظيمات، وهي بالتأكيد لم تصل بالبريد الالكتروني أو عبر صفحات التنسيقيات، ولا برسائل الهاتف النقّال.
الحقيقة المتفق عليها أننا لا ننتظر تعليقاً من السيد كي مون، ولا نعوّل على موقف ندرك نحن وهو أنه لا يقدّم ولا يؤخّر في سياق دور بالغ فيه تقمّص موقع التابع والـمُلحق بهوامش السياسة الأميركية، لذلك كان حريّاً به أن يبقى حيث ارتضى لنفسه أن يكون، وأي خروج ولو كان جزءاً من دوره الوظيفي المزمن لا بدّ أن يفتح أوراقه قديمها وجديدها، ونجزم أن حُسن الختام يقتضي أن يظل حيث كان، لأن ما بقيَ لم يعد يكفي حتى لتدوير الأرقام ولا لتسويقها.
a.ka667@yahoo.com