الثورة _ همسة زغيب:
تنبض البحرة في قلب البيت الدمشقي كما تنبض الحياة في صدر المدينة القديمة، لا تُرى من الخارج، لكنها تُشعر من الداخل،
حيث الماء يهمس، والظل يرقص، والهدوء يتسلل إلى الأرواح، هي ليست تفصيلاً زخرفياً، بل فلسفة معمارية متكاملة، كما يراها المهندس سليم الأيوبي، الذي وصفها بأنها “نقطة التوازن، من خلالها يُستعاد إيقاع البيت وتُبثّ فيه روحه وسكينته”.
وأضاف: لا يبدأ تكوين البيت الدمشقي من الجدران، بل من البحرة، وتتوزع حولها الغرف، وتنبثق منها الحياة اليومية، وجودها في “أرض الديار” يعكس فهماً عميقاً للعلاقة بين الإنسان والمكان، ورغبة في خلق توازن بين الداخل والخارج، بين الحجر والماء، بين الصمت وخرير الحياة.
وأوضح الأيوبي أن البحرة تؤدي دوراً بيئياً مهماً، لأنها تلطّف الهواء، وتضبط الرطوبة، وتمنح المكان برودةً طبيعية في الصيف دون الحاجة إلى تقنيات حديثة، كما تخلق جواً من الخصوصية والسكينة، وتُعدّ مساحةً للتأمل، حيث ينعكس الضوء وتتماوج الظلال، وتُروى الحكايات.
ويشير إلى أن الماء في الثقافة الدمشقية ليس مجرد عنصر مادي، بل رمزٌ للنقاء والصفاء، كما تعد البحرة ذاكرةٌ حيّة، حولها كانت تُقدّم القهوة، وتُغسل الوجوه، وتُهدأ الأرواح، هي مرآةٌ للزمن، ومكانٌ للسكينة، ومشهدٌ حيّ من الحياة اليومية.
وكشف الأيوبي أنّ كثيراً من البيوت الدمشقية اليوم مهددة بالتحوّل إلى مطاعم أو مستودعات، ما يهدد عناصرها الأصيلة، وعلى رأسها البحرة.
وحذّر من أن الحفاظ عليها ليس ترفاً، بل ضرورةٌ ثقافية، لأنها تمثل فلسفة البيت، وذاكرة المدينة، وعلاقة الإنسان بالمكان.
البحرة الدمشقية لحظة تأمل، وقطرة جمال، ومرآة لروح البيت، وفلسفةٌ تُكتب بالماء، وتُقرأ بالسكينة، وتُحفظ في الذاكرة، إنها ليست للزينة، بل للحياة.