الثورة – سلوى إسماعيل الديب:
تحويل المواد التالفة إلى أيقونات جمالية أصبح واحداً من أبرز الفنون في العصر الحالي، إذ اتجه العديد من الفنانين لإبداع أعمال فنية باستخدام مواد بيئية مهدرة.
في هذا السياق، التقت صحيفة الثورة بالفنان التشكيلي محمد محفوض، ليتحدث عن تجربته في هذا المجال:
– ما أهمية تدوير مخلفات البيئة كفن بيئي من وجهة نظرك؟
يتجسد الفن البيئي في الاستفادة قدر الإمكان من المواد البيئية التالفة، والعمل على إعادة تدويرها بهدف إنتاج أعمال فنية جمالية أو نفعية، تُظهر الجمال في أبسط أشكاله، وتسهم في توعية المجتمع بأهمية المحافظة على البيئة.

– هل إدخال هذه الأعمال في المناهج المدرسية مفيد لخلق فرص عمل للشباب؟
إدخال فن تدوير مخلفات البيئة إلى المناهج المدرسية سيكون له تأثير إيجابي كبير، إذ سيشجع الطلاب على التفكير في كيفية تحويل المواد التالفة إلى أعمال فنية جميلة، ما يفتح أمامهم آفاقاً جديدة للإبداع، بالإضافة إلى توفير فرص عمل مستقبلية لهم في هذا المجال.

– ما هي المواد الأولية التي تستخدمها في عملك؟
أستخدم العديد من المواد البيئية التالفة، مثل الصحف والكتب والمجلات القديمة، والأقراص المدمجة (السيديات) القديمة، بذور الزيتون، أوراق الشجر، قصاصات القماش، الأسلاك والخيوط التالفة، كما أستفيد من قطع الزجاج والمرايا، بالإضافة إلى العلب البلاستيكية وقطع الأخشاب، التي يمكن أن تتحول جميعها إلى مواد صديقة للفن التشكيلي.
-كيف بدأت قصة عشقك مع هذا الفن؟ حدثنا عن مشروعك.
لطالما حلمت في طفولتي أن أمتلك مرسماً يعمه الدفء والمحبة، بدأت تجربتي الفنية باستخدام بقايا السيراميك الملون، لأزين الأماكن والشوارع والأرصفة، مستفيداً من هذه المواد التالفة.
كان مشروعي قد بدأ قبل أربع سنوات بشكل متقطع، خلال فصل الصيف، إذ استغرق العمل على المشروع ثمانية أشهر.
– هل قمت بإنشاء صالة فنية لعرض أعمالك؟ حدثنا عن هذا المشروع.
نعم، قمت بإنشاء صالة فنية تجمع الفنانين، واحتوت على العديد من الأعمال التي تعكس فكرة إعادة تدوير الأشياء، خلال فترة وجودي في الغربة، طورت مهاراتي وبدأت العمل في الصالة باستخدام مكونات بسيطة، قمت بتصنيع الطاولات، وزينت الأرضية والجدران بالبورسلان الملون، ووضعت لوحات فنية مميزة تروي قصصاً فنية عن رحلة عشق الجمال.
الهدف كان أن يبقى العمل الفني شاهداً على حب الحياة والفن.

– ما هو الهاجس الذي رافقك أثناء تنفيذ العمل؟
أثناء العمل، كان هدفي هو البحث عن ذاتي وتثبيت وجودي في المكان، بدأت بترتيب مواقف السيارات وتنظيم الساحة، ثم حولت الجدران من لوحات إعلانات مملوءة بالكتابات العشوائية إلى لوحات فنية تعكس روح الفن والجمال.
– ما هي الأماكن التي استخدمتها في عملك؟ كانت فكرتي أن أختصر معالم سوريا الشهيرة على الجدران، مثل ساحة حمص الجديدة، كنيسة أم الزنار، مسجد السيف الدمشقي، قلعة حلب، نواعير حماة، السفينة الفينيقية، آثار تدمر، وبوابة بغداد في الرقة. كما رسمت بوابة فليب العربي في السويداء، والبيت القديم والجسر المعلق.
– كيف كان رد فعل الناس على عملك؟
قمت بصناعة مقاعد موزعة على الأرصفة، التي أصبحت مكاناً مميزاً لراحة السكان والمارة، تحول المكان إلى تحفة فنية شبه سياحية يقصده الناس لالتقاط الصور.
كانت ردود الفعل مشجعة جدًا، إذ أثار العمل العديد من الأسئلة حول من قام به وكيف تم تنفيذه، رغم غياب الدعم الرسمي، أحب الناس المكان وكانوا يعتبرونه معلماً أثرياً.
– كم من الزمن استغرق العمل على مشروعك؟
استغرق العمل على هذا المشروع ثمانية أشهر متواصلة، بمعدل 10 ساعات عمل يومياً، ورغم التحديات، بما في ذلك الطقس البارد في الشتاء والحار في الصيف، كنت أبدأ العمل في الساعة السابعة صباحاً، وأستمر حتى الساعة السادسة مساءً.
– ما هي العقبات التي واجهتك خلال العمل؟ واجهت بعض الصعوبات، مثل تخريب العمل من قبل بعض الأشخاص، بما في ذلك تكسير السيراميك من قبل أحد السكان، رغم ذلك، كان إصراري على إتمام العمل هو الدافع الرئيسي للمضي قدماً.
عندما قدمت لي شكوى بخصوص تشويه منظر المدينة، قدمت صوراً للجدار قبل وبعد التجميل، ما ساعد في معالجة الموضوع .

– ما هي آلية العمل التي اعتمدتها في تنفيذ المشروع؟
كان العمل شاقًا ولكنه ممتع للغاية، اعتمدت على إعادة تدوير بقايا السيراميك، البلوك، الأسمنت، والرمل، كنت أنقل المواد باستخدام سيارتي الخاصة، وكنت أعمل على مساحة تزيد عن 2000 متر مربع.
تم إنجاز المشروع في بداية صيف 2024، ورغم دعوتي للجهات الرسمية لحضور الافتتاح، لم يحضر أي ممثل رسمي.
– هل تحول مكانك إلى مقصد للفنانين لعرض أعمالهم؟
نعم، أقمت أول ملتقى فني للفنانين الهواة أمام الصالة في الساحة، كان مهرجاناً فنياً نادراً في المنطقة، تبعه معرض فني وأيام للفن السوري بمشاركة مجموعة من الفنانين والهواة.
كما نظمت دورات رسم للأطفال، وكان هناك إقبال كبير من قبل الناس.

– ماذا يعني لك هذا العمل؟
أنا فخور جداً بما أنجزته في فترة قصيرة وبالتوقيت الذي نحتاج فيه إلى فسحة أمل للحياة.
أتمنى أن يحافظ سكان الحي والزوار على هذا العمل، لأنه يمثل نوعاً من الوفاء لسوريا ولأهلها الطيبين، ورداً للجميل الذي منحته لي هذه الأرض.