الثورة – لجينة سلامة:
“إن لم ندهش قارئنا، علينا أن نعتقل قصصنا ونُعيد تدوير فكرتنا الناضجة”.
هكذا تكتب الروائية والقاصة غفران سليمان كوسا الإنسانة باحترام لقارئها، وبغاية أن تصل إليه الكلمة الطيبة والذكية، التي تحمل فلسفة النشء الأول والمُنبَت من الطين أساس الخلق.
من خلال عناوين رواياتها وقصصها وشعرها، تتصدر ثقافتها الاجتماعية وتجاربها الحية، سواء كانت علمية أو عملية، في محاولات سبرها لعالم الإنسان وفلسفة الحياة بأبعادها الروحية والنفسية.
وعندما تقرأ نتاجها الأدبي، تجد بين يديك كتاباً ورقياً برائحة العجين المجبول بطيب التراب ونسائم البحر، وعرق أبطال خاضوا معارك الحياة، فأصبحوا على الورق أشخاصاً من لحم ودم، تَغُور السطور وما بينهما إلى مكنونات الإنسان في مختلف مراحله العمرية على هذه الأرض المباركة.

“الثورة” التقت الأديبة غفران، وكان الحوار التالي:
– كيف يسطع أديب فيما يخبو اسم آخر رغم جمال وتميز ما يكتب؟
تقول: “الأديب مثل النجم، كلما ابتعد عن القراء لظروف قد تكون خارج سيطرته، خبا بريق أدبه، ولكنه موجود وسيظهر يوماً ما عندما تشتد الحلكة.
ومن المهم ألا تخبو جذوة الأدب في داخله ليستمر في الكتابة والقراءة.
– كيف يسوّق الكاتب لنتاجه الأدبي وسط الشللية الأدبية أو في مجتمع ليس له ذلك الحضور؟
الأديب الحقيقي والكاتب الصادق لا يفكر أبداً بالتسويق والبيع والربح، لأن إنتاجه الأدبي هو بمثابة أولاده، فهو ينجبهم ويعتني بهم قدر استطاعته، لكنه لا يفكر أبداً بما سيقدمه له المستقبل.
وتضيف:أنا أكتب لأن الحروف تشكل أفكاراً تتحرك في عقلي كالنار، ولا بد من خروجها.
أكتب كل وجع، ولا أحد يبيع وجعه، وأكتب عن كل مرحلة وحادثة وظلم وموقف.

الأدب الإنساني لا يموت
– ماذا يفعل الكاتب لكي يكشف الغطاء عن أفكاره ولترى أعماله النور؟
تجيب: “كما الحق لا يموت، كذلك الأدب الإنساني المؤثر، لكنه يعاني بشدة في زمن تُنشر فيه كتب لا تستحق أن تسمى كتباً، وتتصدر المكتبات كتب لمسوؤلين ينشرون صفحات يومياتهم ويوثقونها لتباع في المكتبات كأعظم الإصدارات.
لا مكان لكتب تزخر بالمعرفة، وتنزف حروفها وجع الإهمال بين تلك الكتب الخالية من الأفكار بل من الأدب، كما هناك أشياء عدة حولنا تحتاج إلى إعادة نظر من الجهات المختصة، يحتاج هذا الأمر كل الاهتمام، فالكاتب لا يستطيع بمفرده إزاحة رزم المال المدفوعة لنشر عناوين وأغلفة بلا مضمون إذا لم تدعم إنتاجه الأدبي جهة رسمية، أو يدعم الكاتب نفسه مادياً، وقلما نجد ذلك الكاتب.
” – كيف ساهمت بيئتك الوالدية في بناء شخصيتك بكافة تفاصيلها؟
تشير إلى أن شخصيتها ككل هي بناء، وقوتها تتمركز في الجذور التي نمت مبكراً في أسرة ريفية من قرية صغيرة في ريف حماة اسمها “بريزة”.
الأهم لديها، قبل الطعام والشراب، هو الكرامة ومتابعة التحصيل العلمي.
بيت غني بالكنوز الإنسانية، تتسكع فيه المحبة في الطرقات والدروب حيث الحقل والغابة، قد لا يخلو بيت منها من مكتبة، وقد تخلو من ثمن رغيف.
في المدرسة الابتدائية، قرأت أولى القصص بتشجيع من مدير المدرسة، وفي البيت كانت تستيقظ على تلاوة أبيها لآيات القرآن الكريم، وتعلمت منه اللغة العربية وعلومها وفن القص الروائي.
وبدأت أولى تجاربها الكتابية بقصص لأطفالها، رغم صغر سنهن، وفي تلك المرحلة خرج الكاتب من داخلها ليقص لهن الحكايات.
ومع ظهور منصات التواصل، نشرت قصة “أم قرون”، تلتها “أولاد الحكيم” التي فازت بالمركز الأول في مجلة الديار اللندنية، وتوالت لديها النتاجات الأدبية.
-لماذا تكتبين وإلى أي شريحة اجتماعية تتوجهين؟
تجيب قائلة: “أكتب لأنني تعلمت أشياء مهمة ومفيدة قد لا يعرفها الكثير من الناس، ولا فائدة من المعرفة التي لا تنتشر بين الناس.
أكتب أحداثاً قد يحتاجها القراء، أكتب شغفاً بالكتابة والتحكم بالجمل والعبارات.
يسعدني تركيب جملة لم أقرأها سابقاً تحمل فكرة وعبرة، أكتب للأطفال لأعلمهم المحبة والصبر، وللمراهق لأقول له: إن الطفل سيبقى بداخله حتى لو كبر.
سأقنعه أن كل يوم في حياته هو كنز عليه أن يستمتع به ويحافظ عليه، أكتب للأم والمرأة، وأعيد في كتاباتي لها ما سلبوه من أنوثتها بحجة المساواة، أكتب للرجل لا للذكر، أكتب للحياة لترقص لها المعاني.
– الكتابة لديك حاجة أم عادة لم يعد بالإمكان الاستغناء عنها؟
تقول: “الكتابة بالنسبة لي حاجة وعادة معاً، باتت حاجة ضرورية لا يمكنني الاستغناء عنها، فأنا أعبر بها عن ملاحظاتي اليومية والاجتماعية، وعادة قد تعلمتها ورافقتني مع عادة القراءة، والتي بلا شك تغذي عادة الكتابة.”
– هل للأحياء قبور؟ وكيف يُعاد الخلق؟ وما الفلسفة التي حاولت طرحها في روايتيك البكر (2019-2020)؟
توضح قائلة: “نعم، للأحياء قبور ضيقة، لكنها ليست كالقبور التي تضم الأموات، صاحب فكرة التغيير الذي يقتل كل حي يخالفه، يقف أمامه ويسكن قبراًَ لا فكرة.
العاشق الذي يحرق حوله لأجل حبيبة مزيفة يعيش في قبر.
المرأة التي لا تفكر إلا بشكلها الخارجي هي امرأة تسكن قبراً.
الشاب الذي سكنه المخدر والتعصب يسكن قبراً، هي قبور لا يزورها ورد، ولا تقرأ فيها الفاتحة.
وإذا لم يُعَدْ خلقنا، فلن نستطيع الاستمرار في هذه المتغيرات الكبيرة في محيطنا وعلى هذه الأرض.
ولأننا أُعيد خلقنا بشكل غير مناسب لفطرتنا الأولى، خسرنا الكثير من إنسانيتنا التي كانت صورة مثالية للخلق الأول.
– كتاباتك مفعمة بالمحبة والإنسانية، بالسكينة والاستسلام القدري، ونتاجك غني بالمعرفة والتحضين عليها، هل تصل أفكارك كلها للقارئ؟
تقول: لا أعلم إن كانت أفكاري تصل، لكنني أحاول إيصالها بكل استطاعتي، وإن كانت تلك الاستطاعة محدودة للأسف.
لكن من يبحث عني يجدني، قريباً سيصدر لي روايتان عن دار أرواد للنشر والتوزيع: “ظلال الشمس” و”خطايا نائمة”، كما أن قصصي القصيرة جداً منشورة على صفحتي الفيسبوكية، وعدد كبير من المجموعات الأدبية، وقد نشرت العديد منها في الصحف السورية والأسبوع الأدبي.
شاركت في مهرجانات القصة القصيرة جداً، وقرأت عدة قصص على خشبة المركز الثقافي، وعلى منصة اتحاد الكتاب العرب عدة مرات.
نشرت مقالاتي وخواطري في صحف عربية مثل “همسة” في المغرب، و”واز” (مجلة مختصة بأدب الأطفال) في المغرب أيضًا، وترجمت قصتي للفرنسية على صفحاتها.
وكذلك في “المصري اليوم”، وعدة دور نشر عربية نشرت لي قصصاً في كتب مشتركة وصل عددها إلى العشرين، وقد وصلني عدد كبير من النسخ الورقية لتلك الكتب، كما نشرت دار ديوان العرب في مصر روايتيّ بشكل مجاني في العام 2020.
– كيف يخبو الشغف لدى الكاتب فيغيب عن المشهد الأدبي بحضور حرفه وشخصه؟، وكيف يستعيده إذا ما انطفأ؟
تقول: قد يكون للغياب أسبابه العديدة، ثم يعود الكاتب بشوق وشغف أكبر إلى أوراقه، فيكون اللقاء مع القلم كلقاء المحب، أما إذا حصل له ما يسمى”بحبسة” الكاتب، فيمكن تجاوزها بإيقاف الكتابة واستبدالها بقراءة نصوص مشابهة لتلك التي فقد فيها شغفه، فيجد نفسه بين تلك السطور، فهو لا يعيش في عالم خيالي قد يفقده فجأة، بل يبني عالماً من حروف يجتهد لتصبح جزءاً من نص أو كتاب سيجد متعة في إنهائه.
الجدير ذكره أن الكاتبة غفران سليمان تميزت بنفسها الأدبي في فن القصة القصيرة جداً (ق.ق.ج)، التي عُرفت فيها أكثر من النثر والخواطر وقصص الأطفال، وحتى الروايات التي صدرت لها بعنوان “قبور الأحياء” و”عندما أُعيد خلقنا”.